و - تعارض النقلي والعقلي تعارض الدليل النقلي الذي يوجب القطع - مثل محكمات الكتاب وقطعيات السنن والظواهر المتواترة - مع الدليل العقلي القطعي، من أغمض المسائل العلمية.
وقد وقع التشاجر والتنازع بين الأعلام في ترجيح أحد الدليلين. والأسف أنه لم يتبين منهج البحث ولم يتضح في هذه المسألة طريقة التحقيق والتنقيح، مع أن لهذا البحث آثارا مهمة في أصول الدين وفروعه. والغرض من هذا البحث تشخيص ما له حق الأصالة والتقدم من كل واحد من الدليلين، لا بيان حجية القطع ووجوب الجري على طبقه على القاطع، فإن القطع موضوع تام بالنسبة إلى شخص القاطع في وجوب الجري على طبقه أصاب أو أخطأ - وهو من العلوم المتعارفة العادية بين عقلاء الأمم في نظام حياتهم ومعاشهم. فنقول:
المراد من العقل في هذا الباب، إما هو العقل الفطري أو العقل الاصطلاحي.
فيقع البحث في مقامين:
1 - تعارض النقلي والعقل الفطري أقول: العقل الفطري هو الحقيقة النورية التي يفيضها الله تعالى على النفوس البشرية. والعقل بهذا المعنى لا يتوارد ولا يتعارض في شئ مع الدليل النقلي.
ضرورة أن المعقول بهذا العقل - كما ذكرنا في الأمر الثاني - إنما هو موارد محدودة معينة، وهي عبارة عن موارد يستقل العقل ويدرك قبح شئ وحسنه الذاتيين أو وجوب عمل وتحريمه الذاتيين بالبداهة. فعليه كل ما يوجد على خلافه فهو باطل بالضرورة.
وأما الأحكام المولوية والمعارف الإلهية مثل المعاد الجسماني، فلا محصل لفرض التعارض فيما بين العقل بهذا المعنى وبين غيره من النقل، لخروج كل ذلك عن حريم هذا النور.