السابقة، يزيد الله هداية على هدايتهم ونورا على نورهم. فشرعوا بغاية جدهم وسعيهم أن يتقربوا إلى الله وأن يدعوه تعالى رغبة ورهبة وخوفا وطمعا. فمنهم من بلغ أعلى درجات الإيمان وأجل مراتب الكمال. ومنهم من زهد في الدنيا زهد الراحل عنها ونظر إليها نظر المستوحشين منها.
التعريف في العوالم السابقة المستفاد من صريح الآيات والروايات المباركة: إن كينونة الإنسان قبل الدنيا وقبل موطن التناسل، مما لا يمكن الارتياب فيه، وقد عرف الله سبحانه نفسه إلى عباده وعرف أيضا أولياءه من الأنبياء والمرسلين والأئمة الصديقين. وجمع الله في العوالم السابقة خلق الأولين والآخرين وفيهم أنبياءه مرسلون والصديقون والمؤمنون وفيهم الجبابرة والطغاة والمستكبرون والكافرون. فآمن به تعالى وبتوحيده ونعوته وكمالاته من آمن وكفر من كفر. وعرف المؤمنين أنه يجب الإيمان بولاية أوليائه بولايته تعالى وعداوة أعدائه بعداوته تعالى. وهذه المعارف كانت في مواطن شتى على درجات. ويعبر عن هذه المواطن في ألسنة الروايات ب " عالم الأرواح والأظلة " (1) و " عالم الطينة " و " عالم الذر الأول " (2) و " عالم الذر ".
وفي هذه المواطن كلها، أخذ الله تعالى منهم الميثاق والتعهد بما آمنوا والوفاء به من دون ارتكاب نكص ونكث. والعمدة من هذه المواطن هو الموطن الأخير المسمى بعالم الذر. وهذه المواطن كلها من باب واحد وفي شأن واحد. والروايات في هذا الباب كثيرة بالغة فوق التواتر ومن الواضحات في الكتاب والسنة ويبلغ مائة وثلاث عشرة رواية بعد حذف مكرراتها ومتشابهاتها. فيدل على ذلك طوائف من الآيات والروايات ويثبته بها خلق الإنسان من أول الدنيا إلى آخرها قبل عالم