وهكذا الكلام في جميع نعوته تعالى. فمن الممكن معرفته تعالى بالوحدانية ولم يشعر بغيرها من نعوت كماله وجماله وكبريائه. فلا يزال المؤمن تشتد وتزداد معرفته به تعالى إذ ليس للمعرفة به تعالى وتوحيده وكل واحد من نعوته حد ينتهي إليه العارفون. فلا محالة يمكن أن تزداد المعارف وتشتد من غير نهاية وحد. فالمراد من معرفة التوحيد في هذه الروايات الكثيرة معرفته تعالى متوحدا بالألوهية.
وأما حقيقة الفطرة والمراد منها في هذه الآيات والروايات الكثيرة في شرحها وتفسيرها، هي عين معرفته تعالى بتعريفه نفسه إلى عباده وبشئ من نعوته سبحانه من الوحدانية والرازقية والخالقية وغيرها من النعوت الجليلة. وهذه المعرفة ليست إلا بتعريفه تعالى نفسه إليهم فيعرفونه تعالى بتعريفه، وليست إلا فعله تعالى مستقيما من دون اختيار منهم، وليست بكسب كاسب من باب العلوم والمعارف الحاصلة بالمقدمات البرهانية، ولا متصورا بالوجه والعناوين والمفاهيم الكلية، إذ ليست ذاته القدوس محكية ومتصورة بالوجوه. بل تعريفه تعالى نفسه تعريفا حقيقيا، عين فعله تعالى. وأول درجات هذه المعرفة تعريفه تعالى نفسه خارجا عن حد التعطيل والتشبيه.
والأسماء التي تطلق عليه تعالى ليست معرفات وحكايات عنه تعالى. بل هذا الإطلاق إنما في مرتبة متأخرة عن تعريفه تعالى نفسه إلى عباده. فلا يكون هو تعالى محكيا ومتصورا بهذه الأسماء، بل هي تعبيرات عن الذات القدوس الخارجة عن الحدين في مرتبة تحقق المعرفة به تعالى.
وأما الإقرار والإيمان والتصديق به تعالى بما عرفوا وعاينوا من الحق المبين، فهي فريضة ذاتية يستقل بها العقل الضروري. والمراد من العقل ليس هو العقل الاصطلاحي، بل هي موهبة وكرامة من الله سبحانه على عباده وإلهام منه سبحانه.
وهو الذي جعله تعالى ملاكا للتكليف وبه يحتج الله تعالى على عباده وبه يثاب