فليس نسخ حكم في الشريعة السابقة بشئ من أحكام الشريعة اللاحقة إلا كنسخ حكم في الشريعة الواحدة بشئ من تلك الشريعة بعينها.
قوله تعالى: أو ننسها.
أقول: هذا عطف على قوله: " ننسخ " ومجزوم بما جزم به المعطوف عليه. وهو من باب الإفعال بمعنى الإذهاب من الذكر والحفظ. وإنساء الآية إذهابها من الذكر وجعلها نسيا منسيا بين الناس بحيث لا يذكره ولا يعرفه أحد من الناس. وليس في الآية الكريمة ما يدل على إنسائه تعالى شيئا من آياته عن ذكر النبي وحفظه. وليس سياق الآية الكريمة في بيان شئ من ذلك. إنما الظاهر منها بيان مالكيته تعالى ملكا تكوينيا وتشريعيا على الإطلاق ونفوذ قدرته وسلطانه فيما يملكه ويتصرفه، ويحكم بما يشاء ويريد طبق الحكمة البالغة والتدبير العلمي، على ما سيأتي توضيحه في ذيل الآية إن شاء الله. هذا أولا.
وثانيا: أن هذه الآية الكريمة في سورة البقرة، والسورة مدنية. وقوله تعالى:
سنقرئك فلا تنسى * إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى * ونيسرك لليسرى. في سورة الأعلى وهي نازلة بمكة في أوائل أمره صلى الله عليه وآله. وهذا صريح في أنه قراءته صلى الله عليه وآله إنما هي بالله وبفعله تعالى وبعنايته الخاصة به صلى الله عليه وآله. وهو بقرينة قوله تعالى: لا تنسى الذي هو صريح في نفي النسيان عنه صلى الله عليه وآله على نحو الاستمرار والدوام، يدل على إفاضته تعالى العلم بالقراءة وبذكرها وحفظها إليه صلى الله عليه وآله.
فإن قلت: فما تقول في الاستثناء بقول: إلا ما شاء الله، أي: إلا ما شاء الله أن لا يقرئه تعالى وأن ينسى؟
قلت: الآية الكريمة في سياق الامتنان والحنان على رسول الله صلى الله عليه وآله. والاستثناء بالوجه المذكور خلاف صريح السياق وصريح في تنزيل الأمر