ويمكن أن يكون منسوخا أو منسيا. وهذا الإطلاق في معرض التقييد. لأن من آياته ما لا يجري فيه النسخ والنسيان، مثل الأحكام الثابتة كوجوب التقوى وتحريم الفجور. فعلى عهدة المفسر والفقيه الفحص والطلب عن المخصصات والمقيدات المتصلة والمنفصلة. والتفقه فيها من الكتاب والسنة وكذلك المقيدات العقلية والتدبر والتأمل فيها.
ثم إنه لا دليل ولا ظهور في الآية الكريمة على كون الناسخ في طول المنسوخ والمنسي ومقيدا بزمان بعد زمان المنسوخ ومشروطا لنسخه، بل الآية الكريمة مطلقة من هذا الحيث أيضا. ومن الممكن بحسب الواقع والثبوت أن تكون للآية المنسوخة والمنسية أمثال ونظائر في عرضها أيضا متساويا بعضها في الحكمة والمصلحة مع بعض آخر. فله تعالى أن يأتي بواحدة من هذه الآيات المتساوية من حيث المصلحة - سواء كانت تكوينية أو تشريعية - ثم يأتي بواحدة أخرى بعد رفع الأولى. والكلام في تخصيص كل منها بزمان مثل الكلام في اختيار الأمور المترجحة المتساوية. ولا دليل على انحصار المثل بأن يكون في طول المنسوخ منحصرا بفرد واحد. فالمعتمد في ذلك هو ظهور الآية وإطلاقها.
ثم إنه لا دليل على أن هذا التبديل والتحويل والإتيان بالخير والمثل بدل المنسوخ والمنسي، مستند إلى المشية الأزلية كي يكون الإتيان بالمثل إظهار وإبرازا لزوال المنسوخ والمنسي وانمحاءا بانتهاء أمدهما. لأنه على هذا لا يكون الإتيان بالناسخ شروعا وابتداءا في الناسخ بدل المنسوخ والمنسي، بل يكون إيجادا لما كان ثابتا في الأزل بالمشية الأزلية. فعلى هذا لا يكون النسخ بمعنى التغيير والإزالة والإبطال، بل يكون معناه إظهارا لزوال عين أو حكم. وكذلك لا يكون هناك إتيان شئ لم يكن، بل هو إيجاد ما كان ثابتا في الأزل. وهذا هو عين الالتزام بمقالة اليهود.
فإن قلت: إن المقطوع من الكتاب والسنة أن الحوادث الجارية في العالم كلها