نرى علماء البيان فسروا الغرابة: بأنها هي كون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى، ولا مأنوسة الاستعمال، ونحن حيث نأتي إلى مفردات هذا التعريف نجد القرآن الكريم خليا عن هذا الوصف المعيب المخل بفصاحة الكلمة، وذلك لأن الظاهر أن قولهم: " غير ظاهرة، ولا مأنوسة الاستعمال " أخذ في التعريف تفسيرا للوحشية التي هي منسوبة إلى الوحش الذي يسكن القفار، فكأن الكلمة الغريبة لعدم مأنوسيتها وعدم ظهورها في المعنى الموضوعة له، من كلام الوحش الذي يسكن القفار.
ومما لا ريب فيه أن المتشابه في القرآن ليس كذلك.
ومما يدل على ما ذكرناه من أن الوحشية أخذت في التعريف وصفا أو تفسيرا للغرابة أنهم قالوا: إن الوحشي قسمان: غريب حسن، وغريب قبيح. فالغريب الحسن: هو الذي لا يعاب استعماله على العرب، لأنه لم يكن وحشيا عندهم، وذلك مثل: شرنبث واشمخر وقمطر، وهي في النظم أحسن منها في النثر، قالوا: ومنه غريب القرآن والحديث، والغريب القبيح يعاب استعماله مطلقا ويسمى الوحشي الغليظ، وهو أن يكون مع كونه غريب الاستعمال ثقيلا على السمع، كريها على الذوق، ويسمى أيضا عندهم بالمتوعر، وذلك مثل جحيش للفريد، واطلخم الأمر بمعنى أظلم وأبهم، وجفخث بمعنى فخرت، وأمثال ذلك.
وإن قلنا: بأن كون الكلمة غير ظاهرة المعنى ولا مأنوسة الاستعمال، قيد زائد على الوحشية، فهو في نفسه عيب مستقل يخل بفصاحة الكلمة استقلالا وفي حد ذاته، فالوحشية شئ، والغرابة شئ آخر، كما قد يدل عليه مقال بعضهم في هذا المقام، حيث قال: الغرابة - كما يفهم من كتبهم -: كون الكلمة غير مشهورة الاستعمال، وهي في مقابلة المعتادة، وهي بحسب قوم دون آخرين، والوحشية هي