فحينئذ يبقى في الجهل والتقليد.
الوجه الرابع: أنه لما كان القرآن مشتملا على المحكم افتقر إلى تعلم طرق التأويلات وترجيح بعضها على بعض، وافتقر تعلم ذلك إلى تحصيل علوم كثيرة من علم اللغة والنحو، وعلم أصول الفقه، والفقه والكلام، وعلم التفسير، ولو لم يكن في القرآن متشابه لما احتاج الانسان إلى تحصيل هذه العلوم الكثيرة، فحرم هذه الفوائد الوفيرة، فكان إيراد المتشابهات لأجل تحصيل هذه العلوم الكثيرة، وكفى بها فائدة.
الوجه الخامس: وهو عند بعض محققي المفسرين أنه هو السبب الأقوى في هذا الباب - هو أن القرآن كتاب مشتمل على دعوة الخواص والعوام - بمعنى أنه كتاب ينذر به كل من بلغه ذلك الكتاب من الناس أجمعين، العارفين منهم وغير العارفين، سواء في ذلك من حضر زمن الخطاب ومن لم يحضر ذلك الزمان، كما صرح بذلك الكتاب الكريم نفسه، ونظرا إلى أن طباع العوام تنبو في أكثر الأمور عن إدراك الحقائق، فمن سمع منهم أول الأمر إثبات موجود ليس بجسم، ولا بمتحيز، ولا بمشار اليه، ظن أن هذا عدم ونفي فيقع في التعطيل، فكان الأصلح أن يخاطبوا بألفاظ دالة على بعض ما يناسب ما يتوهمونه ويتخيلونه، ثم لا يقتصر على هذا وحده ليكون ذلك إغراء بالجهل، وايقاعا في ظلمات الأوهام، بل يمزج ذلك بالكلام الصريح الدال على الحق الصحيح، فالقسم الأول - وهو المخاطبون به بادئ ذي بدء - هو المتشابهات، والقسم الثاني - وهو الذي يكشف لهم آخر الأمر - هو المحكمات.
ونقول بوجه أوضح: هو أن الله تعالى أنزل القرآن الكريم على رسوله العظيم ليكون قرآن الناس أجمعين، فكما أن رسالة الرسول الأعظم هي رسالة إلى الناس كافة، وهو (صلى الله عليه وآله) رسول الناس عامة، فليس هو (صلى الله عليه وآله) رسول زمانه فقط، ولا رسالته هي