وأما معنى: فلأن كون الاجتهاد الذي وقع الاختلاف في نفيه وإثباته هو الاستنباط مما صرح به تعالى، غير مسلم، إذ الكلام في أنه هل يجوز للنبي (صلى الله عليه وآله) أن يجتهد برأيه ومن تلقاء نفسه عند عدم الوحي الصريح والخفي أو لا.
وأما فهمه (صلى الله عليه وآله) الحكم مما صرح به تعالى فلا يسمى اجتهادا، ولو سمي به يكون خارجا عن محل النزاع، على أن هذا الجواب لا يصير جوابا عن الآية الثالثة كما لا يخفى، لأن الحكم المستنبط من الوحي بالاجتهاد لا يسمى وحيا، وإلا لزم صحة أن يقال: المجتهدون من أمته (صلى الله عليه وآله) لا ينطقون عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وهو ظاهر البطلان، لأن الغرض من الآية أن كلامه (صلى الله عليه وآله) خال عن شائبة الريب، وليس كلام المجتهد كذلك، وأيضا يلزم جواز التنافي والتناقض على الوحي على حسب اختلاف اجتهاد المجتهدين في الأحكام، وهو ظاهر البطلان.
نعم، الوحي هو الأمر بالاجتهاد عند عدم النص دون الحكم الحاصل بالاجتهاد والكلام فيه.
وأما رابعا: فلأن ما ذكره في الجواب عن الدليل الثاني من أن هذا في مجتهد لا يكون صاحب الشرع، فهذا تخصيص من خواص اختراعاته فإن الاجتهاد اصطلاحا هو استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي. وصرح الشارح العضد هاهنا بأن المجتهد فيه حكم ظني شرعي عليه دليل، ولم يفرقوا بين اجتهاد الرسول (صلى الله عليه وآله) وغيره في جواز المخالفة ولا في حقيقة الاجتهاد، وأما ما ذكره من أن ما حصل بالاجتهاد هو النص فكيف يجوز مخالفته؟ ففيه: أنه إن أراد أن ما حصل من اجتهاد النبي قول منصوص لا يحتمل غير ما يفهم منه، فهو لا يفيد كما لا يخفى، وإن أراد أنه قانع فغير مسلم لأن المفروض أنه لم يحصل من الوحي ونصه، بل حصل بالاجتهاد والظن، وعلى تقدير الاجتهاد لا يعلم النبي (صلى الله عليه وآله) الحكم قطعا فكيف