لا تناقض بين هذا وذاك وكل تلك الآيات، وإنك لتعلم كل ذلك بكل سهولة إذا علمت ما أسلفناه إليك من شرائط التناقض بين القضايا عند المنطقيين.
فنقول - على ضوء ما سلف من البيان -: إن ليوم القيامة مقامات وأحوال تختلف عند تلك المقامات والأحوال أحوال أشخاص الناس فيما لهم من الشؤون، وعند ذلك لا تناقض ولا اختلاف.
ومن هنا أيضا يتجلى بوضوح أنه لا تناقض بين قوله تعالى: * (ليس لهم طعام إلا من ضريع) * (1) وبين قوله تعالى: * (ولا طعام إلا من غسلين) * (2) فأي مانع يمنع من أن يقال: إن الطعام مختلف باختلاف الأشخاص، أو مختلف باختلاف الأمكنة والأحوال والأزمان؟ فلا خلف ولا اختلاف ولا تناقض ولا اختلال.
ثم أتبع السير بالسير، وكرر السؤال تارة أخرى ليتكرر الجواب عليك فيزداد الأعسر بالوضوح والجلاء، ألق نظرة على قوله تعالى: * (ولسليمان الريح عاصفة) * (3) ثم ألق نظرة على قوله تعالى: * (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء) * (4) فستقول كما هو ظاهر الحال: إن الريح العاصفة لا تكون رخاء، فهذا من التناقض بمكان. وإن قلت هذا فسيقال لك: أي مانع من اختلاف الريح باختلاف الأزمان حيث يشاء من سخرها، وهذا من القدرة لا من التناقض بمكان - كما يظنه الجاهلون -؟ وما المانع من أن يراد بالرخاء في الرخية الطيعة لمن سخرن له. وفي هذا من التدليل على القدرة ما لا يخفى على العرفاء.