هنا ولنذيل هذا البحث بشئ هو بيان الجهة الفارقة بين النسخ والبداء، وقبل ذلك لا بد من أن نستعرض الحديث في أمر حقيقة البداء، فنقول: حقيقة البداء في اللغة هو الظهور، ولذلك يقال: بدا لنا سور المدينة، وبدا لنا وجه الرأي، كما قال تعالى: * (وبدا لهم سيئات ما عملوا) * (1) * (وبدا لهم سيئات ما كسبوا) * (2) ومعنى كل ذلك هو الظهور، وقد يستعمل ذلك في العلم بالشئ بعد أن لم يكن حاصلا، وكذلك في الظن، هذا إذا أضيفت اللفظة إلى المخلوقين، أما إذا أضيفت اللفظة إلى الخالق سبحانه فيراد منها وجوه ستأتيك إن شاء الله تعالى في العاجل القريب، وقبل ذكرها ينبغي أن نذكر الأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) في مسألة البداء.
فقد جاء في المنقول عن الكافي (3): عن زرارة، عن الباقر والصادق (عليهما السلام) قالا:
" ما عبد الله بشئ مثل البداء ".
وفي رواية أخرى: عن هشام بن سالم، عن الصادق (عليه السلام) قال: " ما عظم الله بشئ بمثل البداء " (4)، إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة.
هذا وأما الأخبار التي دلت على أن البداء لا يستلزم معنى لا يتناسب مع قدس الخالق سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا فهي كثيرة.
منها: ما روي في الصحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام): " ما بدا لله في شئ إلا كان في علمه قبل أن يبدو له ". (5)