وثانيها: أن قوله تعالى: * (نأت بخير منها) * يفيد أنه هو تعالى المتفرد بالاتيان بذلك الخير، وذلك هو القرآن الذي هو كلام الله دون السنة التي يأتي بها الرسول (صلى الله عليه وآله).
وثالثها: أن قوله تعالى: * (نأت بخير منها) * يفيد أن المأتي به خير من الآية، والسنة لا تكون خيرا من القرآن.
ورابعها: أن قوله تعالى: * (ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير) * (1) دل على أن الآتي بذلك الخير هو المختص بالقدرة على جميع الخيرات، وذلك هو الله تعالى.
وأجيب عن هذه الوجوه الأربعة بأسرها: أن قوله تعالى: * (نأت بخير منها) * ليس فيه أن ذلك الخير يجب أن يكون ناسخا، بل لا يمتنع أن يكون ذلك الخير شيئا مغايرا يحصل بعد حصول النسخ، والذي يدل على تحقيق هذا الاحتمال أن هذه الآية صريحة في أن الاتيان بذلك الخير مرتب على نسخ الآية الأولى، فلو كان نسخ تلك الآية مرتبا بهذا الخير لزم الدور، وهو باطل.
احتج الجمهور القائلون بجواز نسخ الكتاب بالسنة المتواترة بأن آية الوصية للأقربين منسوخة بقوله عليه الصلاة والسلام: " لا وصية لوارث " (2)، وبأن آية الجلد صارت منسوخة بخبر الرجم.
أجاب الشافعي عن الأول: بأن كون الميراث حقا يمنع من صرفه إلى الوصية، فثبت أن آية الميراث مانعة عن الوصية.
وأجاب عن الثاني: بأن عمر روى: " أن الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما " كان قرآنا فلعل النسخ إنما وقع به.