الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى " (1)، وهو إنكار بلفظ الاستفهام، ومن المعلوم: أن رجلا لو حبس آخر في بيت، بحيث لا يمكنه الخروج عنه، ثم يقول: ما منعك من التصرف في حوائجي؟ قبح منه ذلك. وكذا قوله تعالى: " وماذا عليهم لو آمنوا " (2)، " ما منعك أن تسجد " (3)، وقوله تعالى: " ما منعك إذ رأيتهم ضلوا " (4)، " فما لهم عن التذكرة معرضين (5)، " فما لهم لا يؤمنون " (6)، " عفا الله عنك لم أذنت لهم " (7)، " لم تحرم ما أحل الله لك " (8)، وكيف يجوز أن يقول: لم تفعل؟ مع أنه ما فعله، وقوله تعالى: " لم تلبسون الحق بالباطل " (9)، " لم تصدون عن سبيل الله " (10).
قال الصاحب بن عباد: كيف يأمر بالإيمان ولم يرده؟، وينهى عن المنكر وقد أراده؟. ويعاقب على الباطل وقدره؟ وكيف يصرفه عن الإيمان؟ ويقول: " أنى تصرفون " (11)، ويخلق فيهم الكفر، ثم يقول:
" كيف تكفرون " (12)؟ ويخلق فيهم لبس الباطل، ثم يقول: " لم تلبسون الحق بالباطل " (13)، وصدهم عن سواء السبيل، ثم يقول:
" لم تصدون عن سبيل الله " (14)، وحال بينهم وبين الإيمان، ثم قال:
" وماذا عليهم لو آمنوا بالله " (15)، وذهب بهم عن الرشد، ثم قال:
" فأين تذهبون " (16)، وأضلهم عن الدين حتى أعرضوا، ثم قال:
" فما لهم عن التذكرة معرضين " (17)؟.