قال: ثم أمر مروان بن الحكم أن يخرج أبا ذر من المدينة على بعير بغير وطاء، وتبعه جماعة من الناس يشيعونه ويحزنون لحزنه، منهم علي بن أبي طالب والحسن والحسين رضي الله عنهم وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود وعيينة بن عباس (1). قال: وتقدم علي رضي الله عنه إلى أبي ذر فجعل يعزيه فيما قد نزل به ويأمره بالصبر والاحتساب إلى وقت الفرج. قال: وتقدم مروان بن الحكم إلى علي رضي الله عنه فقال: أليس قد أمر أمير المؤمنين أن لا يخرج أحد مع هذا الشيخ ولا يشيعه أحد من الصحابة؟ قال: فرفع علي رضي الله عنه قضيبا (2) كان في يده فضرب به بين أذني بعير مروان، ثم قال: إليك عنا يا بن الزرقاء! أمثلك يعترض علينا في الذي نصنع.
قال: فرجع مروان إلى عثمان فأخبره بذلك، ومضى أبو ذر حتى صار إلى الربذة، ورجع علي رضي الله عنه ومن معه إلى المدينة، فأرسل إليه عثمان فدعاه، فقال: ألم آمر أن لا تشيع أبا ذر؟ فلم شيعته أنت وغيرك؟ فقال علي رضي الله عنه: ليس كل ما تأمر به أنت يجب أن نقبل وإن كان غير صواب! فقال عثمان: هذا مروان يذكر أنك ضربت بين أذني بعيره وشتمته، فأرضه من حقه! فقال علي رضي الله عنه: هذا بعيري فليضرب بين أذنيه كما ضربت بين أذني بعيره، وأما الشتيمة فو الله لئن شتمني مروان لا شتمته، لان مروان ليس لي بكفوء فأشاتمه. ثم وثب علي رضي الله عنه من عند عثمان مغضبا حتى صار إلى منزله (3).
قال: ولم يزل أبو ذر مقيما بالربذة يغشاه الصادر والوارد من الحاج وغيرهم فيعرضون عليه الحوائج فلا يقبل من أحد شيئا إلى أن حضرته الوفاة.
ذكر وفاة أبي ذر بالربذة رضي الله عنه.
قال: فلما حضرت أبا ذر الوفاة جعلت امرأته (4) أم ذر تبكي تحت رأسه فقال