ذكر وقعة الجمل وأوائله.
قال: وبلغ ذلك عبد الله بن عامر وهو يومئذ أمير البصرة، فأيقن بأخذ البصرة من يده (1) وأن ينفذ إليها جيشا، فقام في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس! إن خليفتكم عثمان بن عفان قتل مظلوما وبيعته في أعناقكم، ونصرته ميتا كنصرته حيا، ولي عليكم اليوم ما كان لي بالأمس، وقد بايع الناس عليا ونحن اليوم طالبون بدم عثمان، فأعدوا للحرب عدتها، قال: فوثب إليه حارثة (2) بن قدامة السعدي، فقال له: يا بن عامر! إنك لن تملكنا عنوة ولن نوليك عن مشورة إنما بطاعة غيرك، وقد قتل عثمان بحضرة المهاجرين والأنصار فلم يغيروا على قاتله، وقد بايع الناس عليا، فإن أقرك على عملك أطعناك، وإن عزلك عصيناك - والسلام، قال: فسكت عبد الله بن عامر ونزل عن المنبر وأمر بمراكبه فهيئوها، ثم دعا برجل من حضرموت قد كان ولاه شيئا من عمله، فقال له: احتفظ بعملك فإني خارج نحو المدينة انظر ما يؤول أمر الناس إليه، ثم خرج عبد الله بن عامر في جوف الليل هاربا نحو المدينة (3)، وأصبح أهل البصرة يظنون أنه بين أظهرهم، فلما علموا أنه هرب أنشأ رجل منهم أبياتا مطلعها:
لعمرك والأيام غير غوابر * لقد كادنا عما أراد ابن عامر أيأمرنا بالحرب والليل [أظلم] * وقد يدرك المحتال ريب المقادر