لها أبو ذر: ما يبكيك يا أم ذر؟ قالت (1): أبكي لضيعتك ههنا في أرض غربة وأنا امرأة ضعيفة غريبة وأخاف أن أعجز عن أمرك، قال: لا تبكي يا أم ذر! فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرني أني أموت في أرض غربة ويلي أمري ودفني قوم صالحون، ولكن انظري يا أم ذر إذا أنا مت فاستعيني بمن يذبح لك شاة من غنمي فاطبخيها والزمي قارعة الطريق، فإذا مر بك نفر من أهل الاسلام فقولي لهم: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قضى نحبه ولحق بربه فواروه رحمكم الله! فإنهم سيلون أمري، فإذا فرغوا من أمري فأطعميهم الشاة ثم انصرفي إلى المدينة فكوني بها إلى أن يأتيك الموت كما أتاني.
قال: ثم توفي أبو ذر رحمه الله (2)، فجلست امرأته عند رأسه مغمومة بأمره وقد اصطنعت الشاة كما أمرها أبو ذر، فإذا هي برهط قد أقبلوا من بيت الله الحرام (3)، منهم الأحنف بن قيس التميمي وصعصعة بن صوحان العبدي وخارجة بن الصلت التميمي وعبد الله بن مسلمة التميمي وبلال بن مالك المزني، وجرير بن عبد الله البجلي، والأسود بن يزيد بن قيس النخعي وعلقمة بن قيس بن يزيد النخعي، وتاسع القوم الأشتر واسمه مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي. قال فنظروا إلى امرأة قاعدة على قارعة الطريق فظنوا أنها متعرضة لمعروفهم، فلما دنوا منها وثبت قائمة وقالت: يا هؤلاء! هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قضى نحبه (4) ولحق بربه وقد عجزت عن أمره وما أدري ما أصنع.
قال: فضج القوم بالبكاء والنحيب ثم قالوا: رحم الله أبا ذر وصلى على روحه! ثم نزلوا عن رواحلهم وأخذوا في غسله ثم تنافسوا في كفنه حتى جعلوه من جماعتهم، وأخرج بعضهم حنوطا فحنطه ثم كفن، وحفرت له حفيرة وصلوا عليه وألحدوه في حفرته.
فلما سووا عليه التراب قام الأشتر على قبره فحمد الله وأثنى عليه وذكر نبيه