ذكر ما جرى من الكلام بين عبد الله بن عباس وبين عائشة لما أنفذه إليها برسالته علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.
قال: ثم دعا علي رضي الله عنه بعبد الله بن عباس فقال له: اذهب إلى عائشة (1) فقل لها أن ترتحل إلى المدينة كما جاءت ولا تقيم بالبصرة، فأقبل إلى عائشة فاستأذن عليها، فأبت أن تأذن له، فدخل عبد الله بغير إذن، ثم التفت فإذا راحلة عليها وسائد فأخذ منها وسادة وطرحها ثم جلس عليها، فقالت عائشة: يا بن عباس! أخطأت السنة دخلت منزلي بغير إذني (2)! فقال ابن عباس: لو كنت في منزلك الذي خلفك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخلت عليك إلا بإذنك، وذلك المنزل الذي أمرك الله عز وجل أن تقري فيه، فخرجت منه عاصية لله عز وجل ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد فهذا أمير المؤمنين يأمرك بالارتحال إلى المدينة فارتحلي ولا تعصي، فقالت عائشة: رحم الله أمير المؤمنين! ذاك عمر بن الخطاب! فقال ابن عباس: وهذا والله أمير المؤمنين وإن رغمت له الأنوف واربدت له الوجوه! فقالت عائشة: أبيت ذلك عليكم يا بن عباس! فقال ابن عباس: لقد كانت أيامك قصيرة المدة ظاهرة الشؤم بنية النكد، وما كنت في أيامك إلا كقدر حلب شاة حتى صرت ما تأخذين وما تعطين ولا تأمرين ولا تنهين، وما كنت إلا كما قال أخو بني أسد حيث يقول:
ما زال إهداء القصائد بيننا * شتم الصديق وكثرة الألقاب حتى تركت كأن قولك عندهم * في كل محتفل طنين ذباب قال: فبكت عائشة بكاء شديدا ثم قالت: نعم والله أرحل عنكم! فما خلق الله بلدا هو أبغض إلي من بلد أنتم به يا بني هاشم! فقال ابن عباس: ولم ذلك؟
فوالله ما هذا بلاؤنا عندك يا بنت أبي بكر! فقالت عائشة: وما بلاؤكم عندي يا بن عباس؟ فقال: بلاؤنا عندك أننا جعلناك أم المؤمنين وأنت بنت أم رومان، وجعلنا أباك صديقا وهو ابن أبي قحافة، وبنا سميت أم المؤمنين لا بتيم وعدي، فقالت عائشة: يا بن عباس! أتمنون علي برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ولم لا نمن عليك