لنا سجنا. فقال له الأشتر: يا كميل! ابتدأنا بالمنطق وأنت أحدثنا سنا، قال:
فسكت كميل وتكلم الأشتر فقال: أما بعد! فإن الله تبارك وتعالى أكرم هذه الأمة برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فجمع به كلمتها وأظهرها على الناس، فلبث بذلك ما شاء الله أن يلبث، ثم قبضه الله عز وجل إلى رضوانه ومحل جنانه - صلى الله عليه وسلم كثيرا، ثم ولى من بعده قوم صالحون عملوا بكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجزاهم بأحسن ما أسلفوا من الصالحات، ثم حدثت بعد ذلك أحداث فرأى المؤمنون من أهل طاعة الله أن ينكروا الظلم وأن يقولوا بالحق فإن أعاننا ولاتنا أعفاهم الله من هذه الاعمال التي لا يحبها أهل الطاعة، فنحن معهم ولا نخالف عليهم، وإن أبوا ذلك فإن الله تبارك وتعالى قد قال في كتابه وقوله الحق: ﴿وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون﴾ (1) فلسنا يا معاوية! بكاتمي برهان الله عز وجل ولا بتاركي أمر الله لمن جهله حتى يعلم مثل الذي علمنا، وإلا فقد غششنا أئمتنا وكنا كمن نبذ الكتاب وراء ظهره، فقال له معاوية: يا أشتر! إني أراك معلنا بخلافنا مرتضيا بالعداوة لنا، والله لأشدن وثاقك ولأطيلن حبسك. فقال له عمرو بن زرارة (2): يا معاوية! لئن حبسته لتعلمن أن له عشيرة كثيرة عددها لا يضام، شدها شديد على من خالفها ونبزها، فقال معاوية:
وأنت يا عمرو تحب أن يضرب عنقك ولا تترك حيا، اذهبوا بهم إلى السجن.
قال: فذهبوا بهم إلى السجن، فقال زيد بن المكفكف (3) فقال: يا معاوية!
إن القوم بعثوا بنا إليك لم يكن بهم عجز في حبسنا في بلادنا لو أرادوا ذلك، فلا تؤذينا وأحسن مجاورتنا ما جاورناك، فما أقل ما نجاورك حتى نفارقك إن شاء الله تعالى.
قال: ثم وثب صعصعة بن صوحان فقال: يا معاوية! إن مالك بن الحارث الأشتر وعمرو بن زرارة رجلان لهما فضل في دينهم وحالة حسنة في عشيرتهم وقد حبستهم، فأمر بإخراجهم فذلك أجمل في الرأي، فقال معاوية: علي بهم، فأتي