محمدا صلوات الله عليه، ثم قال: اللهم! هذا أبو ذر جندب بن جنادة بن سكن الغفاري صاحب رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، اتبع ما أنزلت من آياتك، وجاهد في سبيلك، ولم يغير ولم يبدل، ولكن رأى منكرا فأنكره بلسانه وقلبه، فحقر وحرم حتى افتقر وضيع حتى مات غريبا في أرض غربة، اللهم! فأعطه من الجنة حتى يرضى، واقصم من طرده وحرمه ونهاه من مهاجرة حرم رسولك محمد صلى الله عليه وسلم.
قال: ثم أقاموا يومهم ذلك عند قبره، فلما كان بالعشي عرضت عليهم أم ذر الطعام فأكلوا، فلما كان من غد سلموا عليها وانصرفوا إلى بلدهم. (1) قال: وبلغ ذلك عثمان فقال: رحم الله يا أبا ذر! فقال عمار بن ياسر: فرحم الله أبا ذر من كل قلوبنا (2)! قال: فغضب عثمان ثم قال: يا كذا وكذا أتظن أني ندمت على تسييره إلى ربذة؟ قال عمار: لا والله ما أرى ذلك! قال عثمان: ادفعوا في قفاه، وأنت فالحق بالمكان الذي كان فيه أبو ذر ولا تبرحه أبدا ما بقيت وأنا حي، فقال عمار: والله إن جوار السباع لاحب إلي من جوارك، ثم قام عمار فخرج من عنده.
قال: وعزم عثمان على نفي عمار، وأقبلت بنو مخزوم (3) إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقالوا: إنه يا أبا الحسن قد علمت بأنا أخوال أبيك أبي طالب، وهذا عثمان بن عفان قد أمر بتسيير عمار بن ياسر، وقد أحببنا أن نلقاه فنكلمه في ذلك ونسأله أن يكف عنه ولا يؤذينا فيه، فقد وثب عليه مرة ففعل به ما فعل وهذه ثانية، ونخاف أن يخرج معه إلى أمر يندم ونندم نحن عليه، فقال: أفعل ذلك فلا تعجلوا، فوالله! لو لم تأتوني في هذا لكان ذلك من الحق الذي لا يسعني تركه ولا عذر لي فيه.