فغضب عمر ثم قال: علي بعمرو بن العاص وبابنه محمد! فأتي بهما جميعا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما وقفا بين يديه سألهما عما ذكر المصري فأنكرا ذلك، فاستشهد عمر من كان بالموسم من أهل مصر، فشهدوا بذلك، فأمر عمر رضي الله عنه هذا المصري أن يأخذ حقه من محمد بن عمرو، قال: فجعل المصري يقنع محمد بن عمرو بسوطه وعمر يقول: خذها وأنت ابن الأمين! ثم قال عمر: قدموا الشيخ الأصلع - يعني عمرو بن العاص - فقال المصري: يا أمير المؤمنين! إن عمرا لم يضربني ولكنه حبسني، فقال عمر: أفتحب أن أحبسه كما حبسك؟ فقال: يا أمير المؤمنين! قد صفحت عنه. قال: فغضب عمرو بن العاص فقال: إذ قد فعلت بي وبابني ما قد فعلت فلا ألي لك بعد اليوم عملا أبدا (1)، فقال له عمر رضي الله عنه: فاذهب إذا حيث شئت، لا والله يا معشر قريش! ما تظنون إلا أن الناس لكم عبيد، قال: ثم وقف عمر رضي الله عنه في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس! إني قد بينت لكم الفرائض وأقمت لكم السنن وأقفيتكم السبيل الواضحة، فاتقوا الله ربكم وكونوا له شاكرين، ألا! وإنه قد كبرت سني ورق جلدي ودق عظمي ولا أظن أني أخطبكم بعدها أبدا، فليعمل أحدكم لله كأنه يراه فإن لم يره فإن الله يراه، وكفى بالله حسيبا ووكيلا، والسلام.
ذكر ابتداء مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
قال: ثم نزل عمر رضي الله عنه عن المنبر، ورجع الناس من الحج، وقدم عليه المغيرة بن شعبة من الكوفة ومعه غلام له مجوسي (2) يقال له فيروز ويكنى أبا لؤلؤة، قال: وكان هذا الغلام تاجرا رقيقا بصيرا بجميع الاعمال، فأقبل إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين! إن مولاي هذا المغيرة بن شعبة قد وظف علي في كل شهر مائة درهم (3) ولست أقدر على ذلك، فإن رأيت أن تأمره أن يخفف عني من هذه الوظيفة والضريبة التي جعلها علي، قال: فأرسل عمر إلى المغيرة بن شعبة فدعاه ثم أوصاه بغلامه وقال: اتق الله عز وجل ولا تكلفه ما لا يطيق وإن كان كافرا فإنه قد