برسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كانت فيك شعرة منه أو ظفر لمننت علينا وعلى جميع العالمين بذلك! وبعد فإنما كنت تسع إحدى حشايا من حشاياه، لست بأحسنهم وجها ولا بأكرمهن حسبا ولا بأرشحهن عرقا، وأنت الآن تريدين أن تقولي ولا تعصين وتأمري ولا تخالفين، ونحن لحم الرسول صلى الله عليه وسلم ودمه وفينا ميراثه وعلمه، فقالت عائشة: يا ابن عباس! ما باذلك عليك علي بن أبي طالب! فقال ابن عباس: إذا والله أقر له وهو أحق به مني وأولى، لأنه أخوه وابن عمه وزوج الطاهرة - ابنته وأبو سبطيه ومدينة علمه وكشاف الكرب عن وجهه، وأما أنت فلا والله ما شكرت نعماءنا عليك وعلى أبيك من قبلك! ثم خرج وسار إلى علي فأخبره بما جرى بينه وبين عائشة من الكلام.
ذكر دخول علي على عائشة وما جرى بينهم من الكلام حين أمرها بالانصراف إلى المدينة.
قال: فدعا علي ببغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستوى عليها، وأقبل إلى منزل عائشة، ثم استأذن ودخل (1)، فإذا عائشة جالسة وحولها نسوة من نساء أهل البصرة وهي تبكي وهن يبكين معها، قال: ونظرت صفية بنت الحارث الثقفية امرأة عبد الله بن خلف الخزاعي إلى علي، فصاحت هي ومن كان معها هناك من النسوة وقلن بأجمعهن: يا قاتل الأحبة يا مفرق بين الجميع أيتم الله منك بنيك كما أيتمت ولد عبد الله بن خلف! فنظر إليها علي فعرفها فقال: أما اني لا ألومك أن تبغضيني وقد قتلت جدك في يوم بدر، فقتلت عمك يوم أحد، وقتلت زوجك الآن، ولو كنت قاتل الأحبة كما تقولين لقتلت من في هذا البيت ومن في هذه الدار (2)، قال: فأقبل علي على عائشة فقال: ألا تنحين كلابك هؤلاء عني، أما إنني قد هممت أن أفتح باب هذا البيت فأقتل من فيه، وباب هذا البيت فأقتل من فيه، ولولا حبي للعافية لاخرجتهم الساعة فضربت أعناقهم صبرا، قال: فسكتت عائشة وسكتت النسوة فلم تنطق واحدة منهن. قال: ثم أقبل على عائشة فجعل يوبخها ويقول: أمرك الله أن تقري في بيتك