فقد علمتم أن شعيبا عليه السلام لما نسبه قومه إلى الشقاق قال الله تعالى: (لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد *) (1) واعلموا أيها الناس! أني قد أنصفتكم وأعطيتكم من نفسي الرضا على أن أعمل فيكم بالكتاب والسنة وأسير فيكم بالسيرة وأعزل عن أمصاركم من كرهتم وأولي عليكم من أحببتم، وأنا أضمن لكم من نفسي أن أعمل فيكم بما كانا يعملان الخليفتان من قبلي جهدي وطاقتي فقد علمتم أن من تولى أمر الرعية يصيب ويخطئ، وكتابي هذا معذرة إلى الله وإليكم ويتصل إليكم مما كرهتم (وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم *) (2) فاكتفوا مني بهذا العهد (إن العهد كان مسؤولا) (3) وإني أتوب إلى الله من كل شيء كرهتموه وأستغفره من ذلك فإنه لا يغفر الذنوب إلا الله، وقد تبت إلى الله من كل ما كرهتموه فإن رحمته وسعت كل شيء - والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (4) -.
قال: فلما جاءهم كتاب عثمان وقرأوا لم يقبلوا شيئا مما وعظهم به ثم نادوا من كل ناحية وأحاطوا بداره وخاصموه وعزموا على قتله وخلعه.
ذكر استنصار عثمان بعماله لما أيس من رعيته.
قال: وخشي أن يعالجه القوم فيقتل، فكتب إلى عبد الله بن عامر بن كريز وهو الأمير بالبصرة وإلى معاوية بن أبي سفيان، وهو أمير الشام بأجمعها فكتب إليهم عثمان نسخة واحدة (5): بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد! فإن أهل البغي والسفه والجهل والعدوان من أهل الكوفة وأهل مصر وأهل المدينة قد أحاطوا بداري ولم يرضهم شيء دون قتلي أو خلعي سربالا سربلنيه ربي، ألا! وإني ملاق ربي فأعني برجال ذوي نجدة ورأي، فلعل ربي يدفع بهم عني بغي هؤلاء الظالمين الباغين علي - والسلام -.