اختار هؤلاء الأعاجم على العرب، فكيف وقد هداني الله عز وجل إلى دين الاسلام وعرفني فضله!
قال: وسار المسلمون يريدون نهاوند، قال: وبلغ ذلك أهل نهاوند فأرسلوا الماء في أرضهم لكي يمنعوا بتلك المياه المسلمين، قال: فلم يغن ذلك من قضاء الله عز وجل فيهم شيئا، قال: وسار المسلمون حتى نزلوا في الموضع الذي يقال له قبور الشهداء (1)، فنزلوا هنالك وضربوا عسكرهم، وبلغ ذلك الفرس فألقوا حسك الحديد حول نهاوند فحصنوها بتلك الحسك، قال: ودعا النعمان برجل من أشد أصحابه يقال له محمد بن زكار الخثعمي، فقال له: ويحك يا محمود! أحب منك أن تنطلق نحو حصن هؤلاء القوم فتنظر إليه وتأتيني بخبره، فقد بلغني أنه حصن حصين وأنه مشرف على قلعة لهم في الهواء، فقال محمود بن زكار: أيها الأمير! قد بلغني ذلك وهذا نهار فإذا كان الليل انطلقت فأتيتك بخبر القلعة إن شاء الله ولا قوة إلا بالله.
قال: فلما كان الليل واختلط الظلام عمد محمود بن زكار هذا إلى فرسه فأسرجه وألجمه ثم صب عليه درعه وتقلد بسيفه واعتم بعمامته واستوى على فرسه وتناول رمحه ومضى، فلم يزل يسير حتى إذا أشرف على قلعة نهاوند وقد جعل يسمع أصوات الحرس على سورها من كل ناحية ونيرانهم تأجج، قال: وإذا بفرسه قد قام وليس يتقدم ولا يتأخر، فحركه فلم يتحرك فإذا قد علق يده واتقى منها، قال: فنزل محمود بن زكار عن فرسه ثم ضرب بيده إلى الفرس فقلب حافره فإذا بحسكة حديد قد دخلت في حافره، فنزعها وركب فرسه ثم رجع إلى النعمان بن مقرن فخبره بذلك، ثم قال: أيها الأمير! إن أرضهم كلها مفروشة بهذا الحسك يطرحونه في الليل ويرفعونه بالنهار، قال: وأصبح المسلمون فعبوا تعبيتهم.
ذكر وقعة الفرس وقتل النعمان.
قال: وساروا يريدون أرض نهاوند فإذا هم بأوائل خيل الفرس وافت وقد استقبلوهم بالعطعطة والنعير يقدم بعضهم بعضا، ثم إنهم التقوا فاقتتلوا قتالا شديدا وفشت الجراحات في المسلمين حتى وقعت الهزيمة على الفرس وتبعهم المسلمون