مكان بعيد، يا بن هند ويا بن العاص! ما أنتما والمكاتبة والمشورة؟ وما أنتما والخلافة والشورى؟ أما أنت يا معاوية فطليق العين، وأما أنت يا عمرو فخائن (1) في الدين، فكفا عن المكاتبة فليس لكما المكاتبة لأهل المدينة ولي ولا نصير ولا معين ولا ظهير.
ثم كتب رجل من الأنصار أبياتا من الشعر مطلعها:
معاوي إن الحق أبلج واضح * وليس كما ربصت أنت ولا عمرو (2) إلى آخرها.
قال: فلما ورد كتاب أهل المدينة على معاوية وقرأه أقبل على عمرو بن العاص، فقال: أبا عبد الله! شعرت أننا أخطأنا في الكتاب إلى أوباش أهل المدينة وبها مثل عبد الله بن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة الأنصاري، إنما كان يجب أن نخص هؤلاء الثلاثة بالكتاب دون غيرهم، فقال عمرو: ذلك إليك وأنت على رأس أمرك، إن أردت أن تكتب إليهم وأنا لا أشير عليك بذلك، فإني أخاف أن تسمع منهم ما تكره، فلم يلتفت معاوية إلى قوله.
ذكر كتاب معاوية إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب.
قال: وكتب إلى عبد الله بن عمر (3): أما بعد فإنه لم يكن رجل من قريش أحب إلي أن تجتمع الناس (4) عليه منك بعد قتل عثمان رضي الله عنه، ثم إني ذكرت خذلانك المرء، وقعودي عنه وطعنك على أنصاره فتغيرت لك وقد هون الله علي ذاك إذ رأيتك مخالفا لعلي بن أبي طالب، فأعنا رحمك الله على دم هذا الخليفة المظلوم، فإني لست أطلب الامر عليك، إنما أريدها لك، فإن أبيت كان شورى بين المسلمين - والسلام -.
وكتب في أسفل كتابه أبياتا من الشعر مطلعها: