أبي العاص، قال: فأعاد الحديث أبو ذر، فقال عثمان: يا أبا الحسن! هل سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال علي رضي الله عنه: لم أسمع هذا ولكن قد صدق أبو ذر، فقال عثمان: وبما ذا صدقته؟ فقال علي: بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أحدا أصدق لهجة من أبي ذر) (١)، فقال جميع من حضر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق علي رضي الله عنه، وقال أبو ذر:
أحدثكم أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتهموني، ما كنت أظن أني أعيش حتى أسمع هذا منكم. فقال عثمان: كذبت، أنت رجل محب للفتنة، فقال أبو ذر:
اتبع سنة صاحبيك أبي بكر وعمر حتى لا يكون لاحد عليك كلام، فقال عثمان: ما أنت وذاك لا أم لك؟ فقال أبو ذر: والله ما أعرف لي إليك ذنبا إلا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال: فاشتد غضب عثمان ثم قال: أشيروا علي في أمر هذا الشيخ الكذاب فقد فرق جماعة المسلمين! فقال علي رضي الله عنه: أما أنا فأشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون: ﴿فإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب﴾ (2)، فقال عثمان: التراب بفيك يا علي! فقال علي: بل بفيك يا عثمان! أتصنع هذا بأبي ذر وهو حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب كتبه إليك معاوية من قد عرفت رفقه وظلمه؟ قال: فأمسك عثمان عن علي، ثم أقبل على أبي ذر فقال: اخرج عنا من بلدنا! فقال أبو ذر: ما أبغض إلي جوارك ولكن إلى أين أخرج؟ فقال عثمان: إلى حيث شئت، فقال:
أرجع إلى الشام فإنها أرض الجهاد، فقال عثمان: إني إنما جئت بك من الشام لما تفسد بها علي ولا أحب أن أدرك إليها، قال أبو ذر: فأخرج إلى العراق، قال عثمان: لا، لأنهم قوم أهل شبهة وطعن على الأئمة، فقال أبو ذر: فإني حيث كنت فلا بد لي من قول الحق، فإلى أين تحب أن أخرج؟ فقال عثمان: إلى بلد هو أبغض إليك، قال: الربذة (3)، قال: فأخرج إليها ولا تعدها.