قسطنطينية خائفا مرعوبا، فلم يزل كذلك حتى مات بحسرتنا، ثم قال من بعده قسطنطين، فقد بلغك ما نزل به منا وإنا قتلنا أصحابه في البحر وأخذته الرماح وأثخنته الجراحات، حتى صار إليكم وشمتم به، فهذه قصتنا وهذه حالتنا، فلم تسألنا عن أمرنا كأنك لا تعرفنا أو كأنك جاهل بما لقيتم منا. قال: فتبسم صاحب سقلية ثم قال: صدقت، نحن قتلناه، لأنه خرج بالروم في أيام ريح عاصفة فأهلكهم في البحر، ثم نجا وصار إلينا، فلم نحب أن يرجع إلى أهله سالما حتى توتم أهله منه وولده كما أيتم الروم، قال: ثم التفت صاحب سقلية إلى صاحب قيسارية فقال: ما يخفى على العرب شيء من أمرنا؟ فقال: نعم أيها الملك، وكذلك لا يخفى علينا شيء من أمورهم. قال: ثم أقبل صاحب سقلية على المسلم فقال: خبرني الآن عنكم لماذا قصدتمونا في مثل هذا البحر؟ فقال له المسلم:
قصدناكم لندعوكم إلى أن تدخلوا في الاسلام وتأمنوا على دياركم وأموالكم، ونولي عليكم رجلا منكم تقيمون الصلوات الخمس وتصومون شهر رمضان وتحجون البيت الحرام وتؤخذ الصدقة من أغنيائكم فترد على فقرائكم، فإن أبيتم الدخول في ديننا فاقبلوا عهدنا وذمتنا وأدوا الجزية إلينا وقروا في دياركم آمنين، فإن أبيتم ما عرضناه عليكم فقد أنذرناكم وأعذرنا إليكم، فاعلموا أن ما بيننا وبينكم إلا السيف، فإن قتلنا كنا على بينة من ربنا، إنا في الجنة وأنتم في النار وأظفرنا بكم، فذاك ما وعدنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. قال: فقال صاحب سقلية لترجمانه: قل له الآن عني إنك تكلمت وقلت ما أردت فذرنا حتى نتكلم بما نريد، فقال المسلم: قل ما تشاء، فقال: قل له عني: إنكم قد اغتررتم بأنفسكم بغزوكم إيانا في مثل هذا البحر وظننتم أن سقلية إنما هي كمدائن الروم التي افتتحتموها من قبل، وليس الامر كما تقولون ولا كما ظننتم، إن سقلية أمنع من ذلك، وأنتم قد ندمتم على مسيركم إلينا عندما رأيتم من جمعنا وعددنا وكثرة سلاحنا، فلو أنكم أردتم أن ترجعوا إلى بلادكم لم تقدروا على ذلك، لأنكم قد لججتم في هذا البحر حتى وصلتم إلينا، ولسنا نحب أن تعتادوا هذه العادة علينا في قلتكم وكثرتنا، لأنه لم يطمع أحد من أعدائنا في هذا منا ولم يغزنا قط أحد من قبلكم إلا ذل وخضع، وإنا لنغزو جميع أهل الأديان في ديارهم فنسبيهم ونذلهم ونأتي بهم إلى جزيرتنا هذه أسارى أذلة صاغرين، وأما ما عرضتموه علينا من اتباع دينكم فهذا ما لا يكون ولست أفارق ديني أبدا، وأما ما سألتموه من الجزية فقد يجب عليكم أن ترضوا مني بالمساكتة والمسالمة أن لا أغزو في بلادكم. فلما فرغ