فوالله إني لا عافية [لي]، وإن ابتليت فما أنا يائس أن يرزقني ربي صبرا وأجرا، قال: فدفعوا إليه كتابهم.
وبلغ ذلك كعب بن عبيدة النهدي وكان من المتعبدين، فقال: والله لأكتبن إلى عثمان كتابا باسمي واسم أبي (1)، بلغ ذلك من عنده ما بلغ! ثم كتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عثمان أمير المؤمنين من كعب بن عبيدة، أما بعد! فإني نذير لك من الفتنة، متخوف عليك فراق هذه الأمة، وذلك أنك قد نفيت خيارهم ووليت أشرارهم وقسمت فيأهم في عدوهم واستأثرت بفضلهم ومزقت كتابهم وحميت قطر السماء ونبت الأرض، وحملت بني أبيك على رقاب الناس حتى قد أوغرت صدورهم واخترت عداوتهم، ولعمري لئن فعلت ذلك فإنك تعلم أنك إذا فعلت ذلك وتكرمت فإنما تفعله من فيئنا وبلادنا، والله حسيبك يحكم بيننا وبينك، وإن أنت أبيت وعنيت قتلنا وأذانا ولم تفعل فإننا نستعين الله ونستجيره من ظلمك لنا بكرة وعشيا - والسلام -.
ثم جاء كعب بن عبيدة بكتابه هذا إلى العنزي وقد ركب يريد المدينة فقال:
أحب أن تدفع كتابي هذا إلى عثمان، فإن فيه نصيحة له وحثا على الاحسان إلى الرعية والكف عن ظلمها، فقال: أفعل ذلك، قال ثم أخذ الكتاب منه ومضى إلى المدينة. ورجع كعب بن عبيدة حتى دخل المسجد الأعظم فجعل يحدث أصحابه بما كتب إلى عثمان، فقالوا: والله يا هذا لقد اجترأت وعرضت نفسك لسطوة هذا الرجل! فقال: لا عليكم فإني أرجو العافية والاجر العظيم، ولكن ألا أخبركم بمن هو أجرأ مني؟ قالوا: بلى ومن ذلك؟ فقال: الذي ذهب بالكتاب، فقالوا: بلى صدقت، إنه لكذلك وإنا لنرجو أن يكون أعظم هذا المصر أجرا عند الله غدا.
ذكر قدوم العنزي على عثمان وما كان من قصته معه.
قال: وقدم العنزي على عثمان رضي الله عنه بالمدينة، فدخل وسلم عليه ثم ناوله الكتاب الأول وعنده نفر من أهل المدينة، فلما قرأه عثمان ارتد لونه وتغير