شعري إن دهمنا أمر من الأمور كيف صبركم على ضرب الطلا وطعن الكلا؟ قال:
فبادر عبد الرحمن بن ملجم بالكلام فقال: يا أمير المؤمنين! ارم بنا حيث شئت إذا شئت لتعلم ذلك، فوالله! ما فينا إلا كل بطل أهيس (1)، وحازم أكيس، وشجاع أشرس، وليث أعبس، ورثنا ذلك عن الآباء والأجداد، وكذلك يرثه عنا صالح الأولاد، وأنشأ يقول أبياتا مطلعها:
أبادر في الحروب إلى الأعادي * بكل مهند يوم الضراب إلى آخره.
قال: فدعا علي رضي الله عنه بالحبر اليمانية والثياب الالحمية فجعلها عليهم، وانصرفوا إلى رحالهم فرحين مسرورين.
ذكر من فشل عن البيعة وقعد عنها.
قال: وأقبل عمار بن ياسر إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين! إن الناس قد بايعوك طائعين غير كارهين، فلو بعثت إلى أسامة بن زيد وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وحسان بن ثابت وكعب بن مالك فدعوتهم ليدخلوا فيما دخل فيه الناس من المهاجرين والأنصار (2)! فقال علي رضي الله عنه:
إنه لا حاجة لنا فيمن لا يرغب فينا، قال فقال له الأشتر: يا أمير المؤمنين! إننا وإن لم يكن لنا في السابقة ما لهم فإنهم ليسوا بشيء أولى من أمور المسلمين منا، وهذه بيعة عامة، الخارج منها طاعن علينا، فلا تدعهم أو يبايعوا، فإن الناس اليوم إنما هم باللسان وغدا بالسنان، وليس كل من يتثاقل عليك كمن يخف معك، وإنما أرادك القوم لأنفسهم فردهم لنفسك، فقال له علي رضي الله عنه: يا مالك جدي ورأيي، فإني أعرف بالناس منك. قال: وكان الأشتر وجد من ذلك في نفسه، فأنشأ أبياتا مطلعها:
منحت أمير المؤمنين نصيحة * فكان امرءا تهدى إليه النصائح