إلى الشام أن يقبلوا إليك من شامهم لم تأمن من أن يأتي هرقل في جميع النصرانية فيغير على بلادهم ويهدم مساجدهم ويقتل رجالهم ويأخذ أموالهم ويسبي نساءهم وذريتهم، وإن كتبت إلى أهل اليمن أن يقبلوا من يمنهم أغارت الحبشة أيضا على ديارهم ونسائهم وأموالهم وأولادهم، وإن سرت بنفسك مع أهل مكة والمدينة إلى أهل البصرة والكوفة ثم قصدت بهم قصد عدوك انتقضت عليك الأرض من أقطارها وأطرافها، حتى إنك تريد بأن يكون من خلفته وراءك أهم إليك مما (1) تريد أن تقصده، ولا يكون للمسلمين كانفة تكنفهم ولا كهف يلجؤون إليه، وليس بعدك مرجع ولا موئل إذ كنت أنت الغاية والمفزع والملجأ، فأقم بالمدينة ولا تبرحها فإنه أهيب لك في عدوك وأرعب لقلوبهم، فإنك متى غزوت الأعاجم بنفسك يقول بعضهم لبعض: إن ملك العرب قد غزانا بنفسه لقلة أتباعه وأنصاره، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك وعلى المسلمين، فأقم بمكانك الذي أنت فيه وابعث من يكفيك هذا الامر والسلام.
قال: فقال عمر رضي الله عنه: يا أبا الحسن! فما الحيلة في ذلك وقد اجتمعت الأعاجم عن بكرة أبيها بنهاوند في خمسين ومائة ألف يريدون استئصال المسلمين؟
ذكر مشورة علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ثانية.
قال: فقال له علي بن أبي طالب عليه السلام: الحيلة أن تبعث إليهم رجلا مجربا قد عرفته بالبأس والشدة فإنك أبصر بجندك وأعرف برجالك واستعن بالله وتوكل عليه واستنصره للمسلمين، فإن استنصاره لهم خير من فئة عظيمة تمدهم بها، فإن أظفر الله المسلمين فذلك الذي تحب وتريد، وإن يكن الأخرى، وأعوذ بالله من ذلك أن تكون ردءا للمسلمين وكهفا يلجؤون إليه وفئة ينحازون إليها، قال فقال له عمر: نعم ما قلت يا أبا الحسن! ولكني أحببت أن يكون أهل البصرة وأهل الكوفة هم الذين يتولون حرب هؤلاء الأعاجم فإنهم قد ذاقوا حربهم وجربوهم ومارسوهم في غير موطن.