الرحمن الرحيم، لعبد الله عثمان أمير المؤمنين من معاوية بن صخر، أما بعد! فإني أخبرك يا أمير المؤمنين بأن أبا ذر قد أفسد عليك الشام وذلك أنه يظهر لأبي بكر وعمر بكل جميل، فإذا ذكرك أظهر عيبك وقال فيك القبيح، وإني أكره أن يكون مثله بالشام أو بمصر أو بالعراق، لأنهم قوم سراع إلى الفتن وأحب الأمور إليهم الشبهات وليسوا بأهل طاعة ولا جماعة - والسلام -.
قال: فكتب إليه عثمان: أما بعد! فقد جائني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من أمر أبي ذر جندب بن جنادة، فإذا ورد عليك كتابي هذا فابعث به إلي واحمله على أغلظ المراكب وأوعرها، وابعث معه دليلا يسير به الليل مع النهار حتى يغلبه النوم فينسيه ذكري وذكرك - والسلام -.
قال: فلما ورد كتاب عثمان على معاوية دعا بأبي ذر فحمله على شارف من الإبل بغير وطاء وبعث معه دليلا (1) عنيفا يعنف عليه حتى يقدم المدينة.
قال: فقدم بأبي ذر المدينة وقد سقط لحم فخذيه (2)، وكان أبو ذر رحمه الله رجلا آدم طويلا ضعيفا نحيفا شيخا أبيض الرأس واللحية، فلما أدخل على عثمان ونظر إليه قال: لا أنعم الله بك عينا يا جنيدب! فقال أبو ذر: أنا جندب بن جنادة وسماني النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، فقال عثمان: أنت الذي تزعم بأننا نقول أن يد الله مغلولة وأن الله فقير ونحن أغنياء؟ فقال أبو ذر: أو كنتم لا تقولون ذلك لأنفقتم مال الله على عباده المؤمنين؟ إني لم أقل ذلك ولكني أشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (إذا بلغ بنو أمية العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دخلا، ثم يريح الله العباد منهم) (3)، فقال عثمان لمن بحضرته من المسلمين: أسمعتم هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ما سمعناه، فقال عثمان: ويلك يا جندب! أتكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو ذر لمن حضر:
أتظنون أني كذبت ولم أصدق في هذا الحديث! فقال عثمان: ادعوا لي علي بن أبي طالب، فدعي له، فلما جلس قال عثمان لأبي ذر: أقصص عليه حديثك في بني