وتحتجبي بسترك ولا تبرجي، فعصيته وخضت الدماء، تقاتليني ظالمة وتحرضين علي الناس، وبما شرفك الله وشرف آباءك من قبلك وسماك أم المؤمنين وضرب عليك الحجاب قومي الآن فارحلي واختفي في الموضع الذي خلفك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يأتيك فيه أجلك، ثم قام علي فخرج من عندها.
قال: فلما كان من الغد بعث إليها ابنه الحسن، فجاء الحسن فقال لها: يقول لك أمير المؤمنين (أما والذي خلق الحبة وبرأ النسمة! لئن لم ترحلي الساعة لأبعثن عليك بما تعلمين)، قال: وعائشة في وقتها ذلك قد ضفرت قرنها الأيمن وهي تريد أن تضفر الأيسر، فلما قال لها الحسن ما قال وثبت من ساعتها وقالت: رحلوني!
فقالت لها امرأة من المهالبة: يا أم المؤمنين! جاءك عبد الله بن عباس فسمعناك وأنت تجاوبيه حتى علا صوتك ثم خرج من عندك وهو مغضب، ثم جاءك الآن هذا الغلام برسالة أبيه فأقلقك وقد كان أبوه جاءك فلم نر منك هذا القلق والجزع! فقالت عائشة: إنما أقلقني لأنه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أحب أن ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هذا الغلام، وبعد فقد بعث إلي أبوه بما قد علمت ولا بد من الرحيل، فقالت لها المرأة: سألتك بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم إلا أخبرتني بماذا بعث إليك علي رضي الله عنه، فقالت عائشة رضي الله عنها: ويحك! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب من مغازيه نفلا فجعل يقسم ذلك في أصحابه، فسألناه أن يعطينا منه شيئا وألححنا عليه في ذلك، فلامنا علي رضي الله عنه وقال: حسبكن أضجرتن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتجهمناه وأغلظنا له في القول. فقال: (عسى ربه إن طلقكم أن يبدله أزواجا خيرا منكن) (1) فأغلظنا له أيضا في القول وتجهمناه، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك وما استقبلنا به عليا، فأقبل عليه ثم قال: يا علي! إني قد جعلت طلاقهن إليك فمن طلقتها منهن فهي بائنة، ولم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وقتا في حياة ولا موت، فهي تلك الكلمة، وأخاف أن أبين من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر انصراف عائشة من البصرة إلى المدينة.
قال: ثم دعا علي رضي الله عنه بنسوة (2) من نساء أهل البصرة فأمرهن أن