ذكر ما أشار به المسلمون على عمر رضي الله عنه.
قال (1): وكان أول من وثب على عمر بن الخطاب وتكلم طلحة بن عبيد الله فقال: يا أمير المؤمنين! إنك بحمد الله رجل قد حنكته الدهور وأحكمته الأمور وراضته التجارب (2) في جميع المقانب، فلم ينكشف لك رأي إلا عن رضى، وأنت مبارك الامر ميمون النقيبة، فنفذنا ننفذ واحملنا نركب وادعنا نجب (3).
قال: ثم وثب الزبير بن العوام فقال: يا أمير المؤمنين! إن الله تبارك وتعالى قد جعلك عزا للدين وكهفا للمسلمين، فليس منا أحد له مثل فضائلك ولا مثل مناقبك إلا من كان من قبلك، فمد الله في عمرك لامة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم! وبعد فأنت بالمشورة أبصر من كل من في المسجد، فاعمل برأيك فرأيك أفضل، ومرنا بأمرك فها نحن بين يديك.
فقال عمر: أريد غير هذين الرأيين، قال: فوثب عبد الرحمن بن عوف الزهري فقال: يا أمير المؤمنين! إن كل متكلم يتكلم برأيه، ورأيك أفضل من رأينا، لما قد فضلك الله عز وجل علينا، وأجرى على يديك من موعود ربنا، فاعمل برأيك واعتمد على خالقك وتوكل على رازقك وسر إلى أعداء الله بنفسك ونحن معك، فإن الله عز وجل ناصرك بعزه وسلطانه كما عودك من فضله وإحسانه.
فقال عمر: أريد غير هذا الرأي، فتكلم عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال (4): يا أمير المؤمنين! إنك قد علمت وعلمنا أنا كنا بأجمعنا على شفا حفرة من النار فأنقذنا الله منها بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد اختارك لنا خليفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقد رضيك الأخيار وخافك الكفار وتفر عنك الأشرار، وأنا أشير عليك أن تسير أنت بنفسك إلى هؤلاء الفجار بجميع من معك من المهاجرين والأنصار فتحصد شوكتهم وتستأصل جرثومتهم، فقال عمر رضي الله عنه: وكيف أسير أنا بنفسي إلى عدوي وليس بالمدينة خيل ولا رجل فإنما هم متفرقون في جميع الأمصار، فقال عثمان: