ثم رجعنا إلى حديث الحرب.
قال: ودنا المسلمون من الفرس والفرس من المسلمين فتراموا بالنشاب والنبل ساعة، ثم إنهم تلاحموا فاختلطوا، واشتبك الحرب بينهم من وقت بزوغ الشمس إلى قريب من الظهر. قال: وإذا رجل من عظماء الفرس من أهل تستر يقال له هرمك قد خرج فجعل يجول ويطلب البراز، فخرج إليه شيخ من باهلة من بني حلوه (1) يقال له أوس على فرس له عجفاء، فلما نظر إليه أبو موسى عرفه فناداه أن ارجع يا أخا باهلة! فلست من أهل هذا الفارسي لأنك شيخ بال وأنت على فرس بال، قال: فرجع الشيخ ولم يخرج، وجعل الفارسي يطلب البراز، فأحجم عنه الناس وخرج إليه الشيخ ثانية، فرده أبو موسى، فغضب الباهلي من ذلك ولم يلتفت إلى كلام أبي موسى ومضى نحو الفارسي، فالتقيا بطعنتين، طعنة الباهلي قتلته، ثم أقبل راجعا نحو المسلمين، قال: فقال له أبو موسى: يا أخا باهلة! إن الأشعري لم يرد بكلامه إياك بأسا، فقال الباهلي: ولا الباهلي أراد بأسا أيها الأمير!
قال: وتقدم جرير بن عبد الله البجلي حتى وقف بين الصفين ثم نادى بأعلى صوته: أيها المسلمون! الجهاد ثوابه عظيم وخطره جسيم، وهذا يوم له ما بعده من الأيام، وقد دعاكم الله عز وجل إلى الجهاد ووعدكم عليه الثواب، ونهاكم عن التثاقل وحذركم العقاب، فاعملوا في يومكم هذا عملا يرضى به ربكم عنكم، ألا وإني حامل يا معشر بجيلة فاحملوا.
قال: ثم جعل جرير يرتجز، قال: ثم حمل جرير من الميمنة وحمل النعمان بن مقرن من الميسرة واختلط الفريقان، ودارت بهما الحرب فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم صدقهم المسلمون القتال والحملة وكبروا، وإذا الهرمزدان قد ولى بين يدي أصحابه فاتبعته الأعاجم، ووضع المسلمون فيهم السيف فقتلوا منهم في المعركة مقتلة عظيمة وأسروا منهم ستمائة رجل، ودخل الهرمزدان وأصحابه إلى تستر بأشر حالة تكون وعامة أصحابه جرحاء، ورجع المسلمون إلى معسكرهم، وقدم أبو موسى هؤلاء الاسراء فضرب أعناقهم عن آخرهم.
فلما كان من غد إذا برجل من الفرس من أهل تستر يقال له نسيبه بن دارنة قد