كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج ٢ - الصفحة ٣٩٦
خبر الأشتر وخروجه بالكوفة على عثمان.
قال: فبينما عثمان كذلك وإذا بكتاب أهل الكوفة قد ورد على الأشتر وهو بالشام: بسم الله الرحمن الرحيم، من جماعة أهل الكوفة إلى مالك بن الحارث، سلام عليك، أما بعد! فإننا نخبرك بالصحيح من الامر أنه قد اجتمع الملا من إخوانك فتذكروا أعمال الظلمة وأحداث المبتدعة وما أتي إليك وإلى نظرائك من المسلمين، فرأوا أنهم لا يسعهم الاقرار على ذلك ولا الرضى به، وقد خرج عنا سعيد بن العاص مرة وهذه ثانية إلى صاحبه عثمان، وقد أعطينا الله تبارك وتعالى عهودنا ومواثيقنا أن لا يدخل علينا سعيد بن العاص واليا أبدا، فالعجل العجل علينا إن كنت تريد أن تدركنا وتشهد على أمورنا - والسلام -.
قال: فلما قرأ الأشتر كتاب أهل الكوفة جعل يتمثل بهذا البيت لقيس بن الخطيم الأنصاري حيث يقول:
ولما رأيت الحرب قد جل جدها * لبست مع البردين ثوب المحارب.
قال: ثم نادى الأشتر في أصحابه بالرحيل، فرحلوا حتى وافوا الكوفة لاثنتي عشرة ليلة من مسيرهم قبل الظهر وذلك في يوم الاثنين، فدخل الأشتر الكوفة وجاء حتى دخل المسجد الأعظم فصعد المنبر وقد اجتمع إليه الناس، فحمد لله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس! إن الله تبارك وتعالى بعث فيكم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بشيرا ونذيرا، وأنزل عليه كتابا بين فيه الحلال والحرام والفرائض والسنن، ثم قبضه إليه وقد أدى ما كان عليه، ثم استخلف على الناس أبا بكر فسار بسيرته واستسن بسنته، واستخلف أبو بكر عمر فاستسن بمثل تلك السنة. وهذا عثمان بن عفان قد علمتم ما كان منه من الاحداث المكروهة والافعال القبيحة بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والآن حين قرأنا كتاب الله عز وجل وتفقهنا في دين الله يريد أن نبدل دين الله أو نغير سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كلا والله لا نفعل ذلك أبدا! ألا! ولا يصبح أحد منكم إلا بالجرعة (1)، فإني معسكر هنالك إن شاء الله ولا قوة إلا بالله (2).

(١) الجرعة: موضع قرب الكوفة، وهو المكان الذي فيه سهولة ورمل. وقيل: الجرعة بين النجفة والحيرة، وقيل: مكان مشرف على القادسية.
(٢) كذا ترد الرواية هنا. وثمة ملاحظات لابد من تسجيلها بعد درسنا للاحداث خلال سنتي ٣٣ و ٣٤.
أ - خلال سنة ٣٣ بدأت الاحداث بالكوفة تأخذ منحي خطيرا وتزايد التململ والنقمة على سياسة واليها سعيد بن العاص، وتفاقم الامر بينه وبين زعماء أهل الكوفة، فكتب الفريقان إلى عثمان والذي رد بدعم واليه وأمره بتسيير من يزعجه إلى الشام، ثم ردوا إلى الكوفة ثم أبعدوا من جديد إلى حمص. وبذلك تكاد تكون الكوفة قد خلت من أهم المعارضين للوالي.
ب - بعد تزايد الشكاوى وتوافد الوفود إلى عثمان وتواتر الكتب والرسائل إليه دعا عثمان بن عفان سنة ٣٤ عماله جميعا أن يوافوه في الموسم (وكان ثمة اجتماع تقليدي للخليفة مع ولاته يعقد كل موسم) وبعد التشاور معهم في أمور ولاياتهم وبعد الاطلاع على وجهات نظرهم أعادهم إلى أعمالهم مع التأكيد على تنفيذ ما تم الوصول إليه خلال هذا الاجتماع.
ج - ورد في رسالة أهل الكوفة إلى الأشتر ما يشير إلى خروج سعيد بن العاص إلى عثمان مرتين.
(ويعني خلال سنتي ٣٣ و ٣٤) وما يفهم من روايات الطبري وابن الأثير ومروج الذهب أنه لم يجر أي اجتماع بين عثمان وولاته سنة ٣٣، أو إن كان حصل هكذا اجتماع لم تكن الأمور مطروحة في الولايات، وخاصة في الكوفة بصورة خطرة. ولم تشر الروايات إلى أي اجتماع خاص بين عثمان والوالي سعيد بن العاص. وكل ما وصلنا اجتماع عثمان بولاته قبل يوم الجرعة.
د - أما بالنسبة للأشتر ففي مكان وجوده أقوال: فعند الطبري وابن الأثير أنه كان قد أبعد مجددا من الكوفة إلى حمص - بعد ما أرسله معاوية مع المسيرين من الكوفة إليها - وهذا ما يشير إليه ابن الأثير من أن يزيد بن قيس كاتب المسيرين في القدوم عليه - وكان يريد خلع عثمان - فسار إليه الأشتر والذين عند عبد الرحمن بن خالد في حمص، فسبقهم الأشتر إلى الكوفة أما رواية المسعودي فتشير - وقد مر ذلك - إلى أن الأشتر قد خرج في سبعين راكبا من أهل الكوفة إلى عثمان يسألونه عزل سعيد عنهم، وبعد الاجتماع الشهير بين عثمان وعماله وأمره لهم بالعودة إلى أعمالهم، ومنهم سعيد بن العاص، وكان الأشتر لا يزال في المدينة أبلغه طلحة والزبير بذلك استعجل المسير إلى الكوفة ووصل قبل سعيد بن العاص إليها، وبعد وصوله صعد المنبر وقال:
أما بعد فإن عاملكم الذي أنكرتم تعديه وسوء سيرته قد رد عليكم، وأمر بتجهيزكم في البعوث (وهذا من ضمن ما تم الوصول إليه بين عثمان وولاته) فبايعوني على ألا يدخلها. فبايعه عشرة آلاف من أهل الكوفة وخرج متخفيا يريد المدينة أو الكوفة، فلقي سعيدا بواقصة (وقيل بالجرعة) فأخبره الخبر، فانصرف إلى المدينة. (الطبري حوادث سنة ٣٣ و ٣٤ ابن الأثير، البداية والنهاية، طبقات ابن سعد 5 / 30 - 31 مروج الذهب 2 / 372 - 373).
(٣٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 ... » »»
الفهرست