أفاق فنظر إلى الدم يسيل منه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أظن والله أننا عنينا بهذه الآية من كتاب الله عز وجل إذ يقول: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب *) (1). قال: ثم أقبل على غلامه، وقد بلغ منه الجهد، قال: ويحك يا غلام! اطلب لي مكانا أدخله فأكون فيه، فقال الغلام:
لا والله ما أدري أين أنطلق بك! فقال طلحة: يا سبحان الله! والله ما رأيت كاليوم قط! دم قرشي أضيع من دمي، وما أظن هذا السهم إلا سهما أرسله الله، وكان أمر الله قدرا مقدورا. فلم يزل طلحة يقول ذلك (2) حتى فات ومات ودفن، ثم وضع في مكان يقال له السبخة (3)، ودخل من ذلك على أهل البصرة غم عظيم، وكذلك على عائشة لأنه ابن عمها. وجاء الليل فحجز بين الفريقين.
ذكر ما كان بعد ذلك.
قال: فلما كان من الغد دنا القوم من بعضهم بعض، وتقدمت عائشة على جملها عسكر حتى وقفت أمام الناس والناس من ورائها وعن يمينها وشمالها. قال:
وصف علي رضي الله عنه أصحابه وعباهم كالتعبية الأولى، وعزم القوم على المناجزة، وتقدم كعب بن سور الأزدي حتى أخذ بخطام الجمل وجعل يرتجز ويقول أبياتا مطلعها: