كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج ٢ - الصفحة ٣٥٦
بعض، واصطف المسلمون على جوانب المراكب في أيديهم الرماح والسيوف والقسي والسهام. قال: واقتتل الفريقان قتالا لم يسمع بمثله، وليس بينهم رمية سهم ولا طعنة رمح إلا الضرب بالسيوف والبواتر والخناجر والسكاكين حتى احمر ماء البحر، قال: وجعلت علق الدماء تضربها الأمواج في الساحل حتى صار الساحل كأن عليه مثل التلول في جثث الرجال وأن الدم غالب على ماء البحر وقد قتل من المسلمين بشر كثير - رحمة الله عليهم - وقتل من الروم ما لا يحصون عددا، قال:
وصبر الفريقان يومئذ بعضهم لبعض صبرا لم يصبروا مثله ساعة قط.
قال: وجرح قسطنطين ملك الروم جراحات كثيرة في رأسه وجسده فولى مدبرا منهزما في مركبه الذي كان فيه (1)، قال: وصاح عبد الله بن سعد بن أبي سرح أمير مصر بالقبط من النواتية: ألا! من قتل رجلا من الروم فله ثلاثة دنانير، قال: فقتلت القبط منهم في ذلك اليوم قريبا من سبعمائة رجل، ووقع عليهم الهزيمة فانهزموا في مراكبهم وهبت الريح عليهم فقطعت مراكبهم يمنة ويسرة فما التقى منها مركبان في موضع واحد.
قال: ورجعت مراكب المسلمين إلى الساحل فأرسيت بعكا، وكتب عبد الله بن سعد ومعاوية إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه يخبرانه بهزيمة الكفار، قال: فسر عثمان بذلك - والله أعلم (2) -.
ذكر عزل عمرو بن العاص عن مصر وولاية عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر.
قال: فانصرف عمرو بن العاص معزولا (3) حتى صار إلى فلسطين فنزلها،

(١) زيد في الطبري: مكث فيها حينا جريحا. وفي البداية والنهاية: مكث حينا يداوى منها بعد ذلك.
(2) ترتب على معركة ذات الصواري:
- أحرز المسلمون انتصارا ساحقا وحلت الهزيمة بالدولة البيزنطية حتى كاد الإمبراطور يقع أسيرا في يد المسلمين.
- تداعت سيادة بيزنطية في البحر.
- تثبيت مواقع البحرية الاسلامية في البحر، غير أن ما أحرزه المسلمون من نصر لم يترتب عليه نتائج مباشرة بسبب ما وقع بين المسلمين من فتن واضطرابات داخلية.
(3) في أسد الغابة أن عمرو بن العاص بقي على ولاية مصر إلى أن مات عمر بن الخطاب فأقره عليها عثمان أربع سنين أو نحوها ثم عزله عنها واستعمل عبد الله بن سعد بن أبي سرح فاعتزل عمرو بفلسطين، (وانظر الكامل لابن الأثير 2 / 235).
(٣٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 ... » »»
الفهرست