ذلك، قال علي: فأنشدك بالله الذي أنزل الفرقان أما تذكر يوما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند بني عمرو بن عوف (1) وأنت معه وهو آخذ بيدك، فاستقبلته أنا فسلم علي وضحك في وجهي وضحكت أنا إليه، فقلت أنت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه أبدا! فقال لك النبي صلى الله عليه وسلم: (مهلا يا زبير! فليس به زهو ولتخرجن عليه يوما وأنت ظالم له)؟ فقال الزبير: اللهم بلى! ولكن أنسيت، فأما إذ ذكرتني ذلك فوالله لأنصرفن عنك! ولو ذكرت هذا لما خرجت عليك (2).
ذكر ما قاسى من الملامة للزبير بعد ذلك من أهل عسكره.
قال: ثم رجع الزبير إلى عائشة وهي واقفة في هودجها، فقالت: ما وراءك يا أبا عبد الله؟ فقال الزبير: ورائي والله ما وقفت موقفا قط ولا شهدت مشهدا من شرك ولا إسلام إلا ولي فيه بصيرة، وإني اليوم لعلي في شك من أمرك، وما أكاد أبصر موضع قدمي! فقالت عائشة: لا والله! لكنك خفت سيوف ابن أبي طالب، أما إنها طوال حداد تحملها سواعد أنجاد ولئن خفتها لقد خافها الرجال من قبلك. قال:
ثم أقبل عليه ابنه عبد الله فقال: لا والله! ولكنك رأيت الموت الأحمر تحت رايات ابن أبي طالب، فقال له الزبير: والله يا بني إنك لمشؤوم قد عرفتك، فقال عبد الله: ما أنا بمشؤوم، ولكنك فضحتنا في العرب فضيحة لا تغسل منها رؤوسنا أبدا.
قال: فغضب الزبير من ذلك (3) ثم صاح بفرسه وحمل على أصحاب علي حملة منكرة، فقال علي رضي الله عنه: أفرجوا له فإنه محرج، فأوسعوا له حتى شق الصفوف وخرج منها، ثم رجع فشقها ثانية ولم يطعن أحدا ولم يضرب، ثم رجع إلى ابنه فقال: يا بني! هذه حملة جبان! فقال له ابنه عبد الله: فلم تنصرف عنا وقد التقت حلقتا البطان (4)؟ فقال الزبير: يا بني! أرجع والله لاخبار قد كان النبي صلى الله عليه وسلم