قد كاد أن يندرس، فأخذه علي وقبله ثم دفعه إلى الراهب، فقال: أقرأه علي!
فقرأه الراهب على علي رضي الله عنه، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم الذي قضى فيما قضى وسطر فيما سطر، أنه باعث في الأميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة، ويدلهم على سبيل الرشاد، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، لا يجزي السيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح، أمته الحامدون الذين يحمدون الله على كل حال في هبوط الأرض وصعود الجبال، ألسنتهم مذللة بالتسبيح والتقديس والتكبير والتهليل، ينصر الله هذا النبي على من ناواه، فإذا توفاه الله اختلفت أمته من بعده، ثم يلبثون بذلك ما شاء الله، فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا النهر، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يقضي بالحق ولا يرتشي في الحكم، الدنيا عليه أهون من شرب الماء على الظمآن، يخاف الله عز وجل في السر وينصح الله في العلانية، ولا يأخذه في الله لومة لائم، فمن أدرك ذاك النبي فليؤمن به، فمن آمن به كان له رضوان الله والجنة، ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره فإنه وصي خاتم الأنبياء، والقتل معه شهادة.
قال: ثم إنه أقبل هذا الراهب على علي فقال: يا أمير المؤمنين! إني صاحبك لا أفارقك أبدا حتى يصيبني ما أصابك، قال: فبكى علي رضي الله عنه ثم قال: الحمد لله الذي ذكرني عنده في كتب الأبرار.
قال: ثم سار وهذا الراهب معه، فكان يتغدى ويتعشى مع علي، حتى صار إلى صفين، فقاتل فقتل، فقال علي لأصحابه: اطلبوه! فطلبوه فوجدوه، فصلى عليه علي رضي الله عنه ودفنه واستغفر له، ثم قال: هذا منا أهل البيت.
ثم رجعنا إلى الحديث.
قال: ثم سار علي رضي الله عنه حتى دخل الرقة، وجد أهلها يومئذ العثمانية وهواهم مع معاوية، فلما نظروا إلى خيل علي رضي الله عنه قد وافتهم غلقوا باب المدينة وتحصنوا فيها.
قال: فنزل علي رضي الله عنه على شاطئ الفرات ثم كتب إلى معاوية (1):
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر، أما بعد! فإن لله عبادا آمنوا بالتنزيل وعرفوا بالتأويل وتفقهوا في الدين، فبين الله فضلهم في القرآن العظيم،