انهزمت خيل الشام حتى لحقت بمعاوية، وجعل الأشتر يعبر على أطراف البلاد ويذل كل من ناواه حتى ضبط الجزيرة ضبطا محكما.
وبلغ ذلك عليا فقام في الناس بالكوفة خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس! إن الله تبارك وتعالى هو خالق الخلق، ولن يرضى من أحد من خلقه إلا بالحق، ولن يزال أمرنا هذا متمسكا ولم يشتم آخرنا أولنا، فإذا فعلوا ذلك فقد هلكوا وأهلكوا، ألا! وإني مخبركم أن معاوية بن أبي سفيان قد شكل أهل الشام وزعم لهم أني أنا الذي قتلت عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد حارب عاملي، ويوشك أنه سينازعني حقي ويدفعني عنه بجموع أهل الشام، ألا! وإني قد عزمت على الكتاب إليه، فماذا عندكم من الرأي؟ قال: فضج المسلمون من كل ناحية فقالوا: يا أمير المؤمنين! افعل في ذلك ما أحببت وأمرنا بأمرك، فأمرك فينا سمعا وطاعة، وما طاعتك فينا إلا كطاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر كتاب علي رضي الله عنه إلى معاوية.
قال: فنزل علي رضي الله عنه عن المنبر ودخل إلى منزله، ثم دعا بدواة وقرطاس وكتب إلى معاوية كتابا نسخته (1): بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر، أما بعد! فإن بيعتي لزمتك، وأنا بالمدينة وأنت بالشام، وذلك أنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، فليس للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وأما عثمان فقد كان أمره مشكلا على الناس، المخبر عنه كالأعمى والسامع كالأصم، وقد عابه قوم فلم يقبلوه وأحبه قوم فلم ينصروه، وكذبوا الشاهد واتهموا الغائب، وقد بايعني الناس بيعة عامة، من رغب عنها مرق ومن تأخر عنها محق، فاقبل العافية واعمل على حسب ما كتبت به - والسلام. قال: ثم طوى الكتاب ودفعه إلى الحجاج بن [عمرو بن] غزية الأنصاري ووجهه إلى الشام إلى معاوية (2).