آخرين * فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين *) (1) هؤلاء قوم كانوا وارثين فأصبحوا موروثين، لم يشكروا النعمة فحلت بهم النقمة وسلبوا دنياهم بالمعصية، فإياكم وكفر النعمة! لا تحل بكم النقم.
ثم سار حتى نزل الأنبار، فإذا أهلها قد أقبلوا يقودون البراذين وقد حملوا إليه الأطعمة والعلوفة، فقال لهم علي: ما هذه الدواب التي نراها معكم؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين! هذا خلق منا نعظم بها الامراء وهي هدية منا إليك، وهذا طعام اتخذناه لك ولأصحابك، فقال لهم علي رضي الله عنه: أما الدواب فإننا نأخذها منكم ونحسبها لكم من خراجكم، وأما الطعام فإننا لا نقبله منكم إلا بثمن، فقالوا:
يا أمير المؤمنين! فإن لنا في أصحابك معارف، فأذن لنا أن نهدي لهم هذا الطعام وهذه العلوفة، فقال: ذلك إليكم ولست أمنعكم من الهدية ولا أمنع أصحابي منها، ولكن إن أخذ أحد من أصحابي منكم شيئا على طريق الغصب فأعلموني بذلك - والسلام -.
خبر الراهب والعين.
قال: وأقام علي رضي الله عنه بالأنبار يومين، فلما كان في اليوم الثالث سار بالناس في برية ملساء، وعطش الناس واحتاجوا إلى الماء، قال: وإذا براهب في صومعته، فدنا منه علي رضي الله عنه وصاح به، فأشرف عليه، فقال له علي رضي الله عنه: هل تعلم بالقرب منك ماء نشرب منه؟ فقال: ما أعلم ذلك، وإن الماء ليحمل إلينا من قريب من فرسخين.
قال: فتركه علي رضي الله عنه وأقبل إلى موضع من الأرض فطاف به، ثم أشار إلى مكان منه فقال: احفروا ههنا، فحفروا قليلا وإذا هم بصخرة صفراء كأنما طليت بالذهب وإذا هي على سبيل الرحى لا ينتقلها إلا مائة رجل، فقال علي رضي الله عنه: اقلبوها فالماء من تحتها، فاجتمع الناس عليها فلم يقدروا على قلبها، قال: فنزل علي رضي الله عنه عن فرسه، ثم دنا من الصخرة وحرك شفتيه بشيء لم يسمع، ثم دنا من الصخرة وقال: باسم الله، ثم حركها ورفعها فدحاها ناحية، قال: فإذا بعين من الماء لم تر الناس أعذب منها ولا أصفى ولا أبرد، فنادى في