وجل لما رأيت، فقال له الحارث: كلا يا أمير المؤمنين! لا يكون إلا خيرا، فقال له علي رضي الله عنه: هيهات يا حارث! سبقت كلمة الله ونفذ قضاؤه، وقد أخبرني حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم أن ابني يقتله يزيد - زاده الله في النار عذابا - قال زهير بن الأرقم: فلما أصيب علي رضي الله عنه بضربة ابن ملجم دخلت عليه وقد ضم الحسين رحمة الله ورضوانه عليه إلى صدره وهو يقبله ويقول له: يا ثمرتي وريحانتي وثمرة نبي الله وصفيه وذخيرة خير العالمين محمد بن عبد الله! كأني أراك وقد ذبحت عن قليل ذبحا، قال: فقلت: ومن يذبحه يا أمير المؤمنين؟ فقال:
يذبحه لعين هذه الأمة، ثم لا يتوب الله عليه ويقبضه، إذا قبضه وهو ملآن من الخمر سكران، قال زهير: فبكيت، فقال لي علي: لا تبك يا زهير! فالذي قضي كائن.
ثم رجعنا إلى الخبر.
قال: ثم سار حتى أتى ساباط المدائن، فإذا هو بالدهاقين وقد أقبلوا إليه يعرضون عليه النزول، فأبى ذلك وقال: ليس لنا عليكم نزول.
ثم سار حتى أشرف على بنيان كسرى، فإذا برجل من أصحابه يقال له جرير (1) بن سهم بن طريف (2) التميمي قد وقف فنظر إلى آثار كسرى وهو يتمثل بهذا البيت:
سفت الرياح على محل ديارهم * فكأنهم كانوا على ميعاد (3) فقال له علي رضي الله عنه: ويحك! فلو قلت (كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوما