قال: فكتب إليه معاوية: أما بعد! فقد طال في الغي إدراجك، وعن الحرب إبطاؤك، وعن النفاق تقاعسك، وعن الوقوف جداتك وتوعد وعيد البطل المحامي، وتروغ روغان الثعلب المواري، ما أعدك لكتاب وأكلك عن الضراب الذي لا بد لك فيه من لقاء أسباب، صادقة نياتهم، شديدة بصائرهم، يضربون عن الحق من التوى، ويوفون بالعهد من إليهم ضوى، وما أقرب ما تعرف إن لم يتداركك الله منه برحمته، ويخرجك من أثر الغواية التي طال فيها تجبرك، وعن قريب تعرف عاقبة فعلك، وكفى بالله عليك رقيبا - والسلام -.
قال: فكتب إليه علي: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر، أما بعد! فالعجب لما تتمنى وما يبلغني عنك، وما أعرفني بمنزلتك التي أنت إليها كائن، وليس إبطائي عنك إلا لوقت أنا به مصدق وأنت به مكذب، وكأني بك وأنت تعج في الحرب عجيج الجمال بأثقالها، وكأني بك وأنت تدعوني بابن آكلة الأكباد جزعا من النفاق المتتابع والقضاء الواقع ومصارع بين مصارع إلى كتاب الله، وأنتم به كافرون، لحدوده جاحدون.
قال: فقال له عمرو بن العاص: ويحك يا معاوية! إلى كم تكاتب عليا؟
فوالله لو اجتمع عليه كل كاتب بأرض الشام لما قدروا على إجابته! فحسبك من مكاتبته واعزم على محاربته أو مسالمته.
ذكر خروج معاوية من الشام إلى صفين لحرب علي رضي الله عنه.
قال: فعندها جمع معاوية الناس (1)، فجعل على ميمنته عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وعلى ميسرته عبد الله بن عمرو بن العاص، وعلى مقدمته أبا الأعور السلمي، وعلى سابقته بسر بن [أبي] أرطاة الفهري، وسار معاوية في أهل الشام بأجمعهم، وبين يديه مروان بن الحكم على فرس أغر محجل وقد تقلد بسيف عثمان بن عفان، حتى نزل بأول منزل من دمشق، فضرب عسكره هنالك لكي تتلاحق به الناس وكتب مروان إلى علي رضي الله عنه أبياتا من الشعر يقول مطلعها:
نسير إلى أهل العراق وإننا * لنعلم ما في السير من شرف القتل