ذكر كلام علي بن أبي طالب في عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
قال: وكان جعفر بن محمد يقول لأبي: علي بن أبي طالب عليه السلام هو الذي غسل عمر رضي الله عنه بيده وحنطه وكفنه ثم وضعه على سريره وأقبل على الناس بوجهه فقال: أيها الناس! هذا عمر بن الخطاب رضي [الله] عنه قد قضى نحبه ولحق بربه، وهو الفاروق، وقرن من حديد وركن شديد، كان لا تأخذه في الله لومة لائم، عقل من الله أمره ونهيه، فكان لا يتقدم ولا يتأخر إلا وهو على بينة من ربه حتى كأن ملكا يسدده ويوفقه، كان شفيقا على المسلمين، رؤوفا بالمؤمنين، شديدا على الكافرين، كهفا للفقراء والمساكين والأيتام والأرامل والمستضعفين، كان يجيع نفسه ويطعمهم، ويعري نفسه ويكسيهم، كان زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة، فرحمه الله حيا وميتا! والله ما من أحد من عباد الله عز وجل أحب إلي من أن ألقى الله عز وجل بمثل عمله من هذا المجيء بين أظهركم.
قال: ثم أقبل علي كرم الله وجهه على صهيب بن سنان مولى بني تميم فقال له: تقدم رحمك الله فصل عليه كما أمرك.
قال: فتقدم صهيب فصلى على عمر، فكبر عليه أربعا، ثم حمل على أعواد المنايا يراد به إلى بيت عائشة رضي الله عنها ليدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم، وضج المسلمون بالبكاء والنحيب. قال: ثم أدخل عمر رضي الله عنه حجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقد حفره قبره ليدفن هنالك، وإذا بهاتف يهتف سمعه جميع المسلمين وهو يقول: شعر:
ليبك على الاسلام من كان باكيا * فقد أوشكوا هلكا وكل على العهد وأدبرت الدنيا وأدبر خيرها * وقد ملها من كان يوفق بالوعد قال: فدفن عمر إلى جنب أبي بكر رضي الله عنهما فأولهم النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني أبو بكر ورأسه قريب من كتف النبي صلى الله عليه وسلم، والثالث عمر ورأسه قريب من كتف أبي بكر. قال: وقد ضاق البيت لما دفن فيه عمر فصارت رجلا عمر تحت حائط البيت قريبا من موضع الأساس، ولقد سمع أهل المدينة هاتفا من الجن يسمع جميع أهلها ويرثي عمر (1).