سقلية وكان عنده في ناحية، فكان يحدث صاحبك سقلية عن العرب وما فتحت من أرض الشام ومن مدنها وسواحلها. فلما كان ذلك اليوم، التفت صاحبه سقلية إلى صاحب قيسارية فقال له: إن هؤلاء أكثر من أولئك الذين كانوا بأرض الشام؟ فقال له صاحب قيسارية: أيها الملك! كانوا أكثر من هؤلاء، وكانوا أيضا قوما صالحين أصحاب نيات وبصائر، يقاتلون على نية ودين وحسن يقين، وهؤلاء أظن أنهم يريدون الدنيا، فلو أن الملك أعطاهم شيئا يدفع به عن بلده لكان ذلك عندي له الرأي، قال: فغضب ملك سقلية من ذلك ثم قال له: أنت رجل مرعوب لأنك قد رأيت منهم بقيسارية ما قد رأيت من ظهورهم على بر الشام وبحرها، وإن في سقلية اليوم من الرجال الذين يحملون السلاح مثل ما في الشام في برها وبحرها ومثل ما في أرض مصر، وإني لأعرضهم على مائة عارض فيمكثون سنة يعترضون، قال: فقال له صاحب قيسارية: صدقت أيها الملك! ولذلك فارقت ملك الروم لما مضى إلى القسطنطينية وصرت إليك لما أعلم من حزمك وعزمك وكثرة خيلك ورجلك، وإن سقلية عندي أيها الملك لتقاس إلى رومية، قال: فسرى عن صاحب سقلية وقال:
صدقت أيها الملك هي كذلك، قال: وإنما خدعه صاحب قيسارية بهذا الكلام لان رومية في البر دون مدينتها أربعون ميلا.
قال: وأرسى المسلمون مراكبهم إلى جزيرة سقلية، قال: فأرسل إليهم ملكها أن ابعثوا إلي منكم رجلا له بيان حتى أكلمه بما أريد.
قال: فبعث المسلمون إليه برجل ومعه ترجمان يخبره بما يقول الروم فأقبل حتى وقف حذاءه وصاحب سقلية مشرف عليه، فقال: ما أنتم؟ فقال المسلم: من العرب الذين قد بلغت دعوتنا أطراف الأرض وأكناف الجبال وأقطار البحار، لان الله عز وجل بعث إلينا رسولا هو أفضلنا بيتا وأصدقنا حديثا وأكرمنا نفسا، فدعانا إلى الله عز وجل، فأجبنا رسول الله وآمنا به وصدقناه، واتبعه منا من اتبعه وأبي منا من أبي، فقاتل من أبى عليه بالذين اتبعوه حتى أظهره الله عز وجل على العرب قاطبة إما راغب فيما دعاه إليه وإما راهب من فرق السيف، ولقد أقر له هرقل ملك الروم من قبل اليوم بالنبوة وشهد له بالرسالة ولم ينكر له ذلك، ولقد خبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من قبل وفاته بأن الله تعالى يفتح علينا ويظهرنا على جميع الأديان، وقد بلغك ما كان منا بأرض الشام لما قتلنا أهلها وسبيناهم حتى لم يلتق منهم اثنان في موضع واحد، ونحن على ما نحن عليه من الضعف وقلة المال والسلاح والكراع حتى هرب منا هرقل إلى