قال: ثم كتب عثمان إلى الأشتر: أما بعد! فقد بلغني يا أشتر أنك تلقح وتريد أن تنبح، وأيم الله إني لا أظن أنك تستر أمرا لو أنك أظهرته لحل به دمك، وما أراك منتهيا عن الفتنة أو يصيبك الله بقارعة ليس معها بقيا، فانظر إذا أتاك كتابي هذا فقرأته ورأيت أن لي عليك طاعة فسر إلى الشام فتكون بها مقيما حتى يأتيك أمري، واعلم أني إنما أسيرك إليها لا لشيء إلا لإفسادك على الناس وذلك بأنك لا تألوهم خبالا وضلالا.
قال: فلما ورد كتاب عثمان على الأشتر وقرأه عزم على الخروج عن الكوفة، وأرسل إليه سعيد بن العاص أن أخرج وأخرج من كان معك على رأيك، فأرسل إليه الأشتر أنه ليس بالكوفة أحد إلا وهو يرى رأيي فيما أظن، لأنهم لا يحبون أن تجعل بلادهم بستانا لك ولقومك، وأنا خارج فيمن اتبعني فانظر فيما يكون من بعد هذا.
قال: ثم خرج الأشتر من الكوفة ومعه أصحابه وهم صعصعة بن صوحان العبدي وأخوه (١) وعائذ بن حملة الظهري، وجندب بن زهير الأزدي (٢) والحارث بن عبد الله الأعور الهمداني، وأصفر بن قيس الحارثي ويزيد بن المكفف، وثابت بن قيس بن منقع (٣) وكميل بن زياد ومن أشبههم من إخوانهم (٤)، حتى صاروا إلى كنيسة يقال لها كنيسة مريم، فأرسل إليهم معاوية فدعاهم، فجاؤوا حتى دخلوا ثم سلموا وجلسوا فقال لهم معاوية: يا هؤلاء! اتقوا الله ﴿ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات﴾ (٥)، قال: ثم سكت معاوية، قال له كميل بن زياد: يا معاوية! ﴿فهدى الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه﴾ (6) فنحن أولئك الذين هداهم الله، فقال له معاوية: كلا يا كميل! إنما أولئك الذين أطاعوا الله ورسوله وولاة الامر فلم يدفنوا محاسنهم ولا أشاعوا مساوئهم، فقال كميل: يا معاوية! لولا أن عثمان بن عفان وفق منك بمثل هذا الكلام وهذه الخديعة لما اتخذك