جليسا ولا مسامرا، حسبي المصحف نديما، لا أريد نديما غيره. فانقطع عنه الجلساء والسمار والشعراء والوزراء والتفوا على الأمير بجكم، وكان يجالسهم ويحادثونه ويتناشدون عنده الاشعار، وكان بجكم لا يفهم كثير شئ مما يقولون لعجمته، وكان في جملتهم سنان بن ثابت الصابي المتطبب، وكان بجكم يشكو إليه قوة النفس الغضبية فيه، وكان سنان يهذب من أخلاقه ويسكن جأشه، ويروض نفسه حتى يسكن عن بعض ما كان يتعاطاه من سفك الدماء، وكان المتقي بالله حسن الوجه معتدل الخلق قصير الانف أبيض مشربا حمرة، وفي شعره شقرة، وجعودة، كث اللحية، أشهل العينين، أبي النفس. لم يشرب خمرا ولا نبيذا قط، فالتقى فيه الاسم والفعل ولله الحمد. ولما استقر المتقي في الخلافة أنفذ الرسل والخلع إلى بجكم وهو بواسط، ونفذت المكاتبات إلى الآفاق بولايته.
وفيها تحارب أبو عبد الله البريدي وبجكم بناحية الأهواز، فقتل بجكم في الحرب واستظهر البريدي عليه وقوي أمره، فاحتاط الخليفة على حواصل بجكم، وكان من جملة ما أخذ من أمواله ألف ألف دينار، ومائة (1) ألف دينار. وكانت أيام بجكم على بغداد سنتين وثمانية أشهر وتسعة أيام. ثم إن البريدي حدثته نفسه ببغداد، فأنفق المتقي أموالا جزيلة في الجند ليمنعوه من ذلك، فركب بنفسه، فخرج لأثناء الطريق ليمنعه من دخول بغداد، فخالفه البريدي ودخل بغداد في ثاني (2) رمضان، ونزل بالشفيع، فلما تحقق المتقي ذلك بعث إليه يهنئه وأرسل إليه بالأطعمة، وخوطب بالوزير ولم يخاطبه بإمرة الأمراء. فأرسل البريدي يطلب من المتقي خمسمائة ألف دينار، فامتنع الخليفة من ذلك فبعث إليه يتهدده ويتوعده ويذكره ما حل بالمعز والمستعين والمهتدي والقاهر.
واختلفت الرسل بينهم، ثم كان آخر ذلك أن بعث الخليفة إليه بذلك قهرا، ولم يتفق اجتماع الخليفة والبريدي ببغداد حتى خرج منها البريدي إلى واسط، وذلك أنه ثارت عليه الديالمة والتفوا على كبيرهم كورتكين، وراموا حريق دار البريدي، ونفرت عن البريدي طائفة من جيشه، يقال لهم البجكمية، لأنه لما قبض المال من الخليفة لم يعطهم منه شيئا، وكانت البجكمية طائفة أخرى قد اختلفت معه أيضا وهم الديالمة قد صاروا حزبين. والتفوا مع الديالمة فانهزم البريدي من بغداد يوم سلخ رمضان، واستولى كورتكتين على الأمور بغداد، ودخل إلى المتقي فقلده إمرة الأمراء، وخلع عليه، واستدعى المتقي علي بن عيسى وأخاه عبد الرحمن ففوض إلى عبد الرحمن تدبير الأمور من غير تسمية بوزارة، ثم قبض كورتكين على رئيس الأتراك بكبك (3) غلام بجكم وغرقه. ثم تظلمت العامة من الديلم، لأنهم كانوا يأخذون منهم دورهم، فشكوا ذلك إلى كورتكين فلم يشكهم، فمنعت العامة الخطباء أن يصلوا في الجوامع، واقتتل الديلم والعامة، فقتل من الفريقين خلق كثير وجم غفير. وكان الخليفة قد كتب إلى أبي بكر محمد بن رائق صاحب الشام يستدعيه إليه ليخلصه من