ثم كر إليه سيف الدولة فهزمه تورون أيضا، وانهزم المتقي وناصر الدولة وسيف الدولة من الموصل إلى نصيبين وجاء توزون فدخل الموصل وأرسل إلى الخليفة يطلب رضاه، فأرسل الخليفة يقول: لا سبيل إلى ذلك إلا أن تصالح بني حمدان، فاصطلحوا، وضمن ناصر الدولة بلاد الموصل بثلاثة آلاف ألف وستمائة ألف، ورجع توزون إلى بغداد وأقام الخليفة عند بني حمدان. وفي غيبة توزون هذه عن واسط أقبل إليها معز الدولة بن بويه في خلق من الديلم كثيرين، فانحدر توزون مسرعا إلى واسط فاقتتل مع معز الدولة بضعة عشر يوما، وكان آخر الامر أن انهزم معز الدولة ونهبت حواصله، وقتل من جيشه خلق كثير، وأسر جماعة من أشراف أصحابه. ثم عاود توزون ما كان يعتريه من مرض الصرع فشغل بنفسه فرجع إلى بغداد.
وفيها قتل أبو عبد الله البريدي أخاه أبا يوسف، وكان سبب ذلك أن البريدي قل ما في يده من الأموال، فكان يستقرض من أخيه أبي يوسف فيقرضه القليل، ثم يشنع عليه ويذم تصرفه بمال الجند، إلى أن مال الجند إلى أبي يوسف وأعرض غالبهم عن البريدي، فخشي أن يبايعوه فأرسل إليه طائفة من غلمانه فقتلوه غيلة، ثم انتقل إلى داره وأخذ جميع حواصله وأمواله، فكان قيمة ما أخذ منه من الأموال ما يقارب ثلاثمائة ألف ألف دينار. ولم يمتع بعده إلا ثمانية أشهر مرض فيها مرضا شديدا بالحمى الحادة، حتى كانت وفاته في شوال من هذه السنة، فقام مقامه أخوه أبو الحسين قبحه الله فأساء السيرة في أصحابه، فثاروا عليه فلجأ إلى القرامطة قبحهم الله فاستجار بهم فقام بالامر من بعده أبو القاسم بن أبي عبد الله البريدي في بلاد واسط والبصرة وتلك النواحي من الأهواز وغيرها.
وأما الخليفة المتقي لله فإنه لما أقام عند أولاد حمدان بالموصل ظهر له منهم تضجر، وأنهم يرغبون في مفارقته. فكتب إلى توزون في الصلح فاجتمع توزون مع القضاة والأعيان وقرأوا كتاب الخليفة وقابله بالسمع والطاعة، وحلف له ووضع خطه بالاقرار له ولمن معه بالاكرام والاحترام، فكان من الخليفة ودخوله إلى بغداد ما سيأتي في السنة الآتية.
وفيها أقبلت طائفة من الروس في البحر إلى نواحي أذربيجان فقصدوا بردعة فحاصروها، فلما ظفروا بأهلها قتلوهم عن آخرهم، وغنموا أموالهم وسبوا من استحسنوا من نسائهم، ثم مالوا إلى المراغة، فوجدوا بها ثمارا كثيرة، فأكلوا منها فأصابهم وباء شديد فمات أكثرهم، وكان إذا مات أحدهم دفنوا معه ثيابه وسلاحه، فأخذه المسلمون وأقبل إليهم المرزبان بن محمد فقتل منهم. وفي ربيع الأول منها جاء الدمستق ملك الروم إلى رأس العين في ثمانين ألفا فدخلها ونهب ما فيها وقتل وسبى منهم نحوا من خمسة عشر ألفا، وأقام بها ثلاثة أيام، فقصدته الاعراب من كل وجه فقاتلوه قتالا عظيما حتى انجلى عنها. وفي جمادى الأولى منها غلت الأسعار ببغداد جدا وكثرت الأمطار حتى تهدم البناء، ومات كثير من الناس تحت الهدم، وتعطلت أكثر الحمامات والمساجد من قلة الناس ونقصت قيمة العقار حتى بيع منه بالدرهم ما كان يساوي الدينار، وخلت الدور. وكان الدلالون يعطون من يسكنها أجرة ليحفظها من الداخلين إليها ليخربوها. وكثرت الكبسات من اللصوص