القرامطة فإنما فعلوا ما فعلوا بعد تقرير الشرائع وتمهيد القواعد، والعلم بالضرورة من دين الله بشرف مكة والكعبة، وكل مؤمن يعلم أن هؤلاء قد ألحدوا في الحرام إلحادا بالغا عظيما، وأنهم من أعظم الملحدين الكافرين، بما تبين من كتاب الله وسنة رسوله، فلهذا لم يحتج الحال إلى معاجلتهم بالعقوبة، بل أخرهم الرب تعالى ليوم تشخص فيه الابصار، والله سبحانه يمهل ويملي ويستدرج ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " (1) ثم قرأ قوله تعالى (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار) [إبراهيم:
42] وقال (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد. متاع قليل ثم مأواهم جنهم وبئس المهاد) [آل عمران: 196] وقال (نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) [لقمان: 24] وقال:
(متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون) [يونس: 70].
وفيها وقعت فتنة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروذي الحنبلي، وبين طائفة من العامة، اختلفوا في تفسير قوله تعالى (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) [الاسراء: 79] فقالت الحنابلة: يجلسه معه على العرش. وقال الآخرون: المراد بذلك الشفاعة العظمى، فاقتتلوا بسبب ذلك وقتل بينهم قتلى، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقد ثبت في صحيح البخاري أن المراد بذلك مقام الشفاعة العظمى، وهي الشفاعة في فصل القضاء بين العباد، وهو المقام الذي يرغب إليه في الخلق كلهم، حتى إبراهيم، ويغبطه به الأولون والآخرون. وفيها وقعت فتنة بالموصل بين العامة فيما يتعلق بأمر المعاش، وانتشرت وكثر أهل الشر فيها واستظهروا، وجرت بينهم شرور ثم سكنت.
وفيها وقعت فتنة ببلاد خراسان بين بني ساسان وأمير هم نصر بن أحمد الملقب بسعيد (2)، وخرج في شعبان خارجي بالموصل (3). وخرج آخر بالبوازيج (4)، فقاتلهم أهل تلك الناحية حتى سكن شرهم وتفرق أصحابهم. وفيها التقى مفلح الساجي وملك الروم الدمستق، فهزمه مفلح وطرد وراءه إلى أرض الروم، وقتل منهم خلقا كثيرا وفيها هبت ريح شديدة ببغداد تحمل رمادا أحمر يشبه رمل أرض الحجاز. فامتلأت منه البيوت.
وفيها توفي من الأعيان: أحمد بن الحسن بن الفرج بن سفيان (5) أبو بكر النحوي، كان عالما بمذهب الكوفيين وله فيه تصانيف.
.