صاحبي فشتمه الوزير وشتم صاحبه مؤنسا، وأمر بضربه ومصادرته بثلاثمائة ألف دينار، وأخذ خطه بها، وأمر بنهب داره، ثم أمر الوزير بالقبض على أقطاع مؤنس وأملاكه وأملاك من معه. فحصل من ذلك مال عظيم، وارتفع أمر الوزير عند المقتدر، ولقبه عميد الدولة، وضرب اسمه على الدراهم والدنانير، وتمكن من الأمور جدا، فعزل وولى، وقطع ووصل أياما يسيرة، وفرح بنفسه حينا قليلا. وأرسل إلى هارون بن عريب في الحال، وإلى محمد بن ياقوت يستحضرهما إلى الحضرة عوضا عن مؤنس، فصمم المظفر مؤنس في سيره فدخل الموصل، وجعل يقول لأمراء الاعراب: إن الخليفة قد ولاني الموصل وديار ربيعة. فالتف عليه منهم خلق كثير، وجعل ينفق فيهم الأموال الجزيلة وله إليهم قبل ذلك أيادي سابغة. وقد كتب الوزير إلى آل حمدان وهم ولاة الموصل وتلك النواحي يأمرهم بمحاربته، فركبوا إليه في ثلاثين ألفا، وواجههم مؤنس في ثمانمائة من مماليكه وخدمه، فهزمهم ولم يقتل منهم سوى رجل واحد، يقال له داود، وكان من أشجعهم، وقد كان مؤنس رباه وهو صغير. ودخل مؤنس الموصل فقصدته العساكر من كل جانب يدخلون في طاعته، لاحسانه إليهم قبل ذلك. من بغداد والشام ومصر والاعراب، حتى صار في جحافل من الجنود.
وأما الوزير المذكور فإنه ظهرت خيانته وعجزه فعزله المقتدر في ربيع الآخر منها، وولى مكانه الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات، وكان آخر وزراء المقتدر. وأقام مؤنس بالموصل تسعة أشهر، ثم ركب في الجيوش في شوال قاصدا بغداد ليطالب المقتدر بأرزاق الأجناد وإنصافهم، فسار - وقد بعث بين يديه الطلائع - حتى جاء فنزل بباب الشماسية ببغداد، وقابله عنده ابن ياقوت وهارون بن عريب عن كره منه. وأشير على الخليفة أن يستدين من والدته مالا ينفقه في الأجناد، فقال: لم يبق عندها شئ، وعزم الخليفة على الهرب إلى واسط، وأن يترك بغداد إلى مؤنس حتى يتراجع أمر الناس ثم يعود إليها. فرده عن ذلك ابن ياقوت وأشار بمواجهته لمؤنس وأصحابه، فإنهم متى رأوا الخليفة هربوا كلهم إليه وتركوا مؤنسا. فركب وهو كاره وبين يديه الفقهاء ومعهم المصاحف المنشورة، وعليه البردة والناس حوله، فوقف على تل عال بعيد من المعركة ونودي في الناس: من جاء برأس فله خمسة دنانير، ومن جاء بأسير فله عشرة دنانير. ثم بعث إليه أمراؤه يعزمون عليه أن يتقدم فامتنع من التقدم إلى محل المعركة، ثم ألحوا عليه فجاء بعد تمنع شديد، فما وصل إليهم حتى انهزموا وفروا راجعين، ولم يلتفتوا إليه ولا عطفوا عليه، فكان أول من لقيه من أمراء مؤنس علي بن بليق، فلما رآه ترجل وقبل الأرض بين يديه وقال: لعن الله من أشار عليك بالخروج في هذا اليوم.
ثم وكل به قوما من المغاربة البربر، فلما تركهم وإياه شهروا عليه السلاح، فقال لهم: ويلكم أنا الخليفة. فقالوا: قد عرفناك يا سفلة، وإنما أنت خليفة إبليس، تنادي في جيشك من جاء برأس فله خمسة دنانير؟ وضربه أحدهم بسيفه على عاتقه فسقط إلى الأرض، وذبحه آخر وتركوا جثته، وقد سلبوه كل شئ كان عليه، حتى سراويله، وبقي مكشوف العورة مجندلا على الأرض، حتى جاء رجل فغطى عورته بحشيش ثم دفنه في موضعه وعفا أثره، وأخذت المغاربة رأس المقتدر على خشبة