أنعي إليك نفوسا طاح شاهدها * فيما ورا الحيث بل في شاهد القدم أنعي إليك قلوبا طالما هطلت * سحائب الوحي فيها أبحر الحكم أنعي إليك لسان الحق منك ومن * أودى وتذكاره في الوهم كالعدم أنعى إليك بيانا يستكين له * أقوال كل فصيح مقول فهم أنعي إليك إشارات العقول معا * لم يبق منهن إلا دارس العلم أنعي وحبك أخلاقا بطائفة * كانت مطاياهم من مكمد الكظم مضى الجميع فلا عين ولا أثر * مضى عاد وفقدان الأولى إرم وخلفوا معشرا يحذون لبستهم * أعمى من البهم بل أعمى من النعم قالوا: ولما أخرج الحلاج من المنزل الذي بات فيه ليذهب به إلى القتل أنشد:
طلبت المستقر بكل أرض * فلم أر لي بأرض مستقرا وذقت من الزمان وذاق مني * وجدت مذاقه حلوا ومرا أطعت مطامعي فاستعبدتني * ولو أني قنعت لعشت حرا وقيل: إنه قالها حين قدم إلى الجذع ليصلب، والمشهور الأول. فلما أخرجوه للصلب مشى إليه وهو يتبختر في مشيته وفي رجليه ثلاثة عشر قيدا وجعل ينشد ويتمايل:
نديمي (1) غير منسوب * إلى شئ من الحيف فلما دارت الكأس * دعا بالنطع والسيف سقاني مثل ما يشر * ب فعل الضيف بالضيف كذا من يشرب الراح * مع التنين في الصيف ثم قال: (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق) [الشورى: 18] ثم لم ينطق بعد ذلك حتى فعل به ما فعل. قالوا: ثم قدم فضرب ألف سوط ثم قطعت يداه ورجلاه وهو في ذلك كله ساكت ما نطق بكلمة، ولم يتغير لونه، ويقال إنه جعل يقول مع كل سوط أحد أحد. قال أبو عبد الرحمن: سمعت عبد الله بن علي يقول سمعت عيسى القصار يقول: آخر كلمة تكلم بها الحلاج حين قتل أن قال: حسب الواحد إفراد الواحد له. فما سمع بهذه الكلمة أحد من المشايخ إلا رق له، واستحسن هذا الكلام منه. وقال السلمي: سمعت أبا بكر المحاملي يقول سمعت أبا الفاتك البغدادي - وكان صاحب الحلاج - قال: رأيت في النوم بعد ثلاث من قتل الحلاج كأني واقف بين يدي ربي عز وجل وأنا أقول يا رب ما فعل الحسين بن منصور؟
فقال: كاشفته بمعنى فدعا الخلق إلى نفسه فأنزلت به ما رأيت. ومنهم من قال: بل جزع عند القتل .