والصالحين الذين نعرفهم، ثم حثهم على إعطائه من المال ما طابت به أنفسهم. ثم إن الحلاج خرج عنهم ومكث ذلك الرجل بين أظهرهم مدة إلى أن جمعوا له مالا كثيرا ألوفا من الذهب والفضة، فلما اجتمع له ما أراد ودعهم وخرج عنهم فذهب إلى الحلاج فاقتسما ذلك المال.
وروي عن بعظهم قال: كنت أسمع أن الحلاج له أحوال وكرامات فأحببت أن أختبر ذلك فجئته فسلمت عليه فقال لي: تشتهي على الساعة شيئا؟ فقلت: أشتهي سمكا طريا. فدخل منزله فغاب ساعة ثم خرج علي ومعه سمكة تضطرب ورجلاه عليهما الطين. فقال: دعوت الله فأمرني أن آتي البطائح لآتيك بهذه السمكة، فخضت الأهواز وهذا الطين منها فقلت: إن شئت أدخلتني منزلك حتى أنظر ليقوى يقيني بذلك، فإن ظهرت على شئ وإلا آمنت بك. فقال: ادخل، فدخلت فأغلق علي الباب وجلس يراني. فدرت البيت فلم أجد فيه منفذا إلى غيره، فتحيرت في أمره ثم نظرت فإذا أنا بتأزيرة - وكان مؤزرا بإزار ساج - فحركتها فانفلقت فإذا هي باب منذ فدخلته فأفضى بي إلى بستان هائل، فيه من سائر الثمار الجديدة والعتيقة، قد أحسن إبقاءها. وإذا أشياء كثيرة معدودة للاكل، وإذا هناك بركة كبيرة فيها سمك كثير صغار وكبار، فدخلتها فأخرجت منها واحدة فنال رجلي من الطين مثل الذي نال رجليه، فجئت إلى الباب فقلت: افتح قد آمنت بك فلما رآني على مثل حاله أسرع خلفي جريا يريد أن يقتلني. فضربته بالسمكة في وجهه وقلت: يا عدو الله أتعبتني في هذا اليوم. ولما خلصت منه لقيني بعد أيام فضاحكني وقال: لا تفش ما رأيت لاحد وإلا بعثت إليك من يقتلك على فراشك. قال: فعرفت أنه يفعل إن أفشيت عليه فلم أحدث به أحدا حتى صلب.
وقال الحلاج يوما لرجل: آمن بي حتى أبعث لك بعصفورة تأخذ من ذرقها وزن حبة فتضعه على كذا منا من نحاس فيصير ذهبا. فقال له الرجل: آمن أنت بي حتى أبعث إليك بفيل إذا استلقى على قفاه بلغت قوائمه إلى السماء، وإذا أردت أن تخفيه وضعته في إحدى عينيك. قال: فبهت وسكت. ولما ورد بغداد جعل يدعو إلى نفسه ويظهر أشياء من المخاريق والشعوذة وغيرها من الأحوال الشيطانية، وأكثر ما كان يروج على الرافضة لقلة عقولهم وضعف تمييزهم بين الحق والباطل. وقد استدعى يوما برئيس من الرافضة فدعاه إلى الايمان به فقال له الرافضي: إني رجل أحب النساء وإني أصلع الرأس، وقد شبت، فإن أنت أذهبت عني هذا وهذا آمنت بك وأنك الامام المعصوم، وإن شئت قلت إنك نبي، وإن شئت قلت إنك أنت الله. قال: فبهت الحلاج ولم يحر إليه جوابا.
قال الشيخ أبو الفرج بن الجوزي: كان الحلاج متلونا تارة يلبس المسوح، وتارة يلبس الدراعة، وتارة يلبس القباء، وهو مع كل قوم على مذهبهم: إن كانوا أهل سنة أو رافضة أو معتزلة أو صوفية أو فساقا أو غيرهم، ولما أقام بالأهواز جعل ينفق من دراهم يخرجها يسميها دراهم القدرة، فسئل الشيخ أبو علي الجبائي عن ذلك فقال: إن هذا كله مما يناهل البشر بالحيلة، ولكن أدخلوه بيتا لا منفذ له ثم سلوه أن يخرج لكم جرزتين من شوك. فلما بلغ ذلك الحلاج تحول من الأهواز. قال